فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{قَالُواْ لَن نُّؤۡثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَآءَنَا مِنَ ٱلۡبَيِّنَٰتِ وَٱلَّذِي فَطَرَنَاۖ فَٱقۡضِ مَآ أَنتَ قَاضٍۖ إِنَّمَا تَقۡضِي هَٰذِهِ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَآ} (72)

{ قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا فاقض ما أنت قاض إنما تقض هذه الحياة الدنيا ( 72 ) إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر والله خير وأبقى ( 73 ) إنه من يأت ربه مجرما فإن له جهنم لا يموت فيها ولا يحيى ( 74 ) ومن يأتيه مؤمنا قد عمل الصالحات فأولئك لهم الدرجات العلى ( 75 ) جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء من تزكى ( 76 ) } .

{ قالوا } غير مكترثين بوعيده لهم { لن نؤثرك } أي لن نختارك { على ما جاءنا } به موسى أو جاءنا من عند الله على يده { من البينات } أي من المعجزات الواضحات من عند الله سبحانه كاليد والعصا ، وقيل : إنهم أرادوا بالبينات ما رأوه في سجودهم من المنازل المعدة في الجنة ، وإنما نسب المجيء إليهم وإن كانت البينات جاءت لهم ولغيرهم ، لأنهم كانوا أعراف بالسحر من غيرهم ، وقد علموا أن ما جاء به موسى ليس من السحر ، فكانوا على جلية من العلم بالمعجز وغيره . وغيرهم كالمقلد وأيضا كانوا المنتفعين بها .

{ و } لن نختارك على { الذي فطرنا } أي خلقنا والواو للعطف ، وإنما أخروا ذكر الباري تعالى لأنه من باب الترقي من الأدنى إلى الأعلى ، وقيل إنها واو القسم والموصول مقسم به وجوابه محذوف ، أي وحق الذي ، أو والله الذي فطرنا لا نؤثرك على الحق ، وهذان الوجهان في تفسير الآية ذكرهما الفراء والزجاج والسمين .

{ فاقض ما أنت قاض } هذا جواب منهم لفرعون لما قال لهم لأقطعن أيديكم الخ . والمعنى فاصنع ما أنت صانعه من القتل والصلب ؛ واحكم ما أنت حاكم به . قال المفسرون : وليس في القرآن أن فرعون فعل بالسحرة ما هددهم به ، ولم يثبت في الأخبار أيضا . قاله أبو السعود . وفي بعض التفاسير أنه فعله بهم كما مر .

{ إنما تقضي هذه الحياة الدنيا } تعليل لعدم المبالاة المستفادة من قولهم : لن نؤثرك ومن الأمر بالقضاء ، أي إنما تصنع ما تهواه أو تحكم بما تراه في هذه الدنيا وما لنا من رغبة فيها ولا رهبة من عذابها . والمعنى إنما سلطانك علينا ونفوذ أمرك فينا في هذه الحياة الدنيا ولا سبيل لك علينا فيما بعدها فسيزول عن قريب قال الفراء : ما بمعنى الذي ، أي أن الذي تقضيه هو هذه الحياة الدنيا ، فقضاؤك وحكمك منحصر في ذلك .