اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{قَالُواْ لَن نُّؤۡثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَآءَنَا مِنَ ٱلۡبَيِّنَٰتِ وَٱلَّذِي فَطَرَنَاۖ فَٱقۡضِ مَآ أَنتَ قَاضٍۖ إِنَّمَا تَقۡضِي هَٰذِهِ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَآ} (72)

قوله : { قَالُواْ لَن نُّؤْثِرَكَ على مَا جَآءَنَا مِنَ البينات } أي لن نختارك على ما جاءنا من الدلالات . لمَّا هددهم فرعون أجابوه بما يدل على حصول اليقين{[25643]} التام والبصيرة الكاملة في أصول الدين ، فقالوا : " لَنْ نُؤْثِرَكَ " ، وهذا يدل على أن فرعون طلب منهم الرجوع عن الإيمان وإلاَّ فَعَل بهم وما وعدهم ، ( فأجابوه بقولهم ){[25644]} : { لَنْ نُؤْثِرَكَ } ، وبيَّنوا العلة ، وهي أنَّ الذي جاءهم ببينِّات وأدلة ، والذي يذكره فرعون محض الدنيا{[25645]} .

وقيل : كان استدلالهم أنهم قالوا : لو كان هذا سحراً فأين حبالُنا وعصيُّنا{[25646]} .

قوله : { والَّذِي فَطَرَنَا }{[25647]} فيه وجهان :

أحدهما : أن الواوَ عاطفة عطفت ( هذا الموصول ){[25648]} على " مَا جَاءَنَا " {[25649]} أي : لن نؤثرك على الذي جاءَنا وَلاَ عَلَى الذي فَطَرَنَا ، أي على طاعة الذي فطرنا وعلى عبادته ، وإنما أخروا ذكر الباري تعالى{[25650]} لأنَّه من باب الترقي من الأدْنَى إلى الأعلى{[25651]} .

والثاني : أنَّه واو قسم ، والموصول مقسم به ، وجواب القسم محذوف{[25652]} ، أي وحق الذي فطرنا{[25653]} لن{[25654]} نؤثرك على الحق ، ولا يجوز أن يكونَ الجواب " لَنْ نُؤَثِرًكَ " عند{[25655]} من يجوز تقديم الجواب{[25656]} ، لأنه لا يجاب القسم ب " لَنْ " إلا في شذوذ من الكلام{[25657]} .

قوله : { فَطَرَنَا فاقض مَآ أَنتَ قَاضٍ } يجوز في " مَا " وجهان :

أظهرهما : أنها موصولة بمعنى الذي ، و " أَنْتَ قَاضٍ " صلتها والعائد محذوف ، أي قاضيه ، وجاز حذفه وإن كان مخفوضاً{[25658]} ، لأنه منصوب المحل ، أي فاقضِ الذي أنت قاضيه{[25659]} .

والثاني : أنها مصدرية ظرفية{[25660]} ، والتقدير : فاقْضِ أمرَك مدة ما أنتَ قاضٍ .

ذكر ذلك أبو البقاء{[25661]} . ومنع بعضهم جعلّها مصدرية ، قال : لأنَّ " مَا " المصدرية لا توصل بالجمل الاسمية . وهذا المنع ليس مجمعاً عليه بل جوَّز ذلك جماعة كثيرة{[25662]} ، ونقل ابن{[25663]} مالك {[25664]} أن ذلك إذا دلَّت ( ما ) على الظرفية وأنشد :

وَاصِلْ خَلِيلَكَ مَا التَّوَاصُلُ مُمْكِنٌ *** فَلاَنْتَ أَوْ هُوَ عَنْ قَلِيلٍ ذَاهِبُ{[25665]}

ويقل إن كانت {[25666]} غيره ظرفية وأنشد :

أَحْلاَمُكُمْ لِسَقَامِ الجَهْلِ شَافِيَةٌ *** كَمَا دِمَاؤُكُمُ تَشْفِي مَنَ الكَلَبِ{[25667]}

قوله : { إِنَّمَا تَقْضِي هذه الحياة الدنيآ } يجوز في " ما " هذه وجهان :

أحدهما : أن تكون المهيئة لدخول{[25668]} " إنْ " على الفعل ، و " الحَيَاةِ الدُّنْيَا " {[25669]} ظرف ل " تَقْضِي " ، ومفعوله محذوف ، أي{[25670]} : يقضي غرضك وأمرك{[25671]} . ويجوز أن تكون الحياة مفعولاً به على الاتساع في الظرف بإجرائه{[25672]} مجرى المفعول به كقولك صُمْتُ يومَ الجمعة ، ويدل لذلك قراءة أبي حَيْوَة : " تُقْضَى هَذِهِ الحَيَاة " ببناء الفعل{[25673]} للمفعول ، ورفع " الحَيَاةُ " {[25674]} لقيامها مقام الفاعل ، وذلك أنه{[25675]} اتسع فيه فقام{[25676]} مقام الفاعل فرفع{[25677]} .

والثاني : أنْ تكون " مَا " مصدرية هي اسم " إنَّ " ، والخبر الظرف{[25678]} والتقدير : إنَّ قَضَاءَك في هذه{[25679]} الحياة الدنيا ، يعني{[25680]} : إن لَكَ{[25681]} الدنيا فقط ، ولنا الآخرة{[25682]} .

وقال أبو البقاء : فإنْ كانَ قد قُرِئَ بالرفع فهو خبر " إن " {[25683]} يعني لو قرئ برفع " الحَيَاةُ " لكان خبراً ل " إنَّ " ، ويكون اسمها حينئذ " مَا " وهي موصولة بمعنى الذي ، وعائدُها محذوف تقديره : إن الذي تقضيه هذه الحياة الدنيا لا غيرها{[25684]} .


[25643]:في ب: بما يدل على التبيين. وهو تحريف.
[25644]:ا بين القوسين سقط من ب. وفيه: فقالوا.
[25645]:انظر الفخر الرازي 22/89.
[25646]:انظر البغوي 5/443.
[25647]:ي ب: فطرني. وهو تحريف.
[25648]:ما بين القوسين سقط من ب.
[25649]:في ب: ما جاء. وهو تحريف.
[25650]:في ب: تبارك وتعالى.
[25651]:انظر مشكل إعراب القرآن 2/73، البيان 2/148، البحر المحيط 6/262.
[25652]:من قبل أن جواب القسم لا يتقدم على المقسم به كما هو المشهور ويكون قوله: "لن نؤثرك" دليل الجواب. انظر مشكل إعراب القرآن 2/73، البيان 2/148، البحر المحيط 6/262.
[25653]:طرنا: سقط من ب.
[25654]:في ب: لا.
[25655]:في ب: على. وهو تحريف.
[25656]:يفهم من كلام ابن هشام في المغني عن حذف جواب القسم أن الفراء وثعلب أجازا تقديم جواب القسم حيث قدرا الجواب في قوله تعالى: {ص والقرآن ذي الذكر} لأن معناه صدق الله، ورده ابن هشام بأن الجواب لا يتقدم. انظر المغني 2/646. وفي معاني القرآن للفراء: (ولو أرادوا بقولهم: (والذي فطرنا) القسم بها كانت خفضا، وكان صوابا، كأنهم قالوا: لن نؤثرك والله) 2/187.
[25657]:وذلك لأن جملة جواب القسم لما كانت متعلقة بالقسم كان لابد لها من رابط يربطها بها، فجعل للإيجاب حرفان (اللام) ، و(إنّ)، وللنفي حرفان (ما)، و(لا)، ولا يجوز نفي المضارع في جواب القسم بـ (لم) و(لن) لأنهم ينفونه بما يجوز حذفه للاختصار، والعامل الحرفي لا يحذف مع بقاء عمله، وإن أبطوا العمل لم يتعين النافي المحذوف. انظر شرح الكافية 2/338 – 339.
[25658]:ي ب: محذوفا.
[25659]:أي: أن العائد المجرور بالإضافة يجوز حذفه إذا كان المضاف الجار للعائد وصفا ناصبا للعائد تقديرا بأن كان اسم فاعل للحال أو للاستقبال غير ماض خلافا للكسائي نحو قوله تعالى: "فاقض ما أنت قاض". وانظر في حذف العائد المجرور شرح التصريح 1/146 – 147. وشرح الأشموني 1/172.
[25660]:ي ب: ظرفية مصدرية.
[25661]:قال أبو البقاء: ("ما أنت قاض" في "ما" وجهان: أحدهما: هي بمعنى الذي، أي: افعل الذي أنت عازم عليه، والثاني: هي زمانية أي: اقض أمرك مدة ما أنت قاض) التبيان 2/897.
[25662]:ذكر المحقق الرضي أن صلة (ما) المصدرية لا تكون عند سيبويه إلا جملة فعلية. وجوز غيره أن تكون جملة اسمية أيضا. وهو الحق، وإن كان ذلك قليلا كقول الشاعر: أعلاقة أم الوليِّد بعد ما *** أفنان رأسك كالثغام المخلس شرح الكافية 2/386، وانظر أيضا البحر المحيط 6/262.
[25663]:ي ب: وذلك. وهو تحريف.
[25664]:قال ابن مالك: وأما (ما) المصدرية فتوصل بفعل متصرف غير أمر، ومثلها : "لو" إلا أنّ (ما) تنفرد بنيابتها عن طريق زمان، وصلتها حينئذ فعل ماضي اللفظ مثبت أو مضارع منفي بـ (لم) نحو أصلك ما وصلتني وما لم تصل عمرا، وتوصل- أيضا – إذا نابت عن ظرف الزمان بجملة ابتدائية كقول الشاعر: واصل خليلك ما التواصل ممكن *** فلأنت أو هو عن قريب ذاهب وقد توصل بها في غير التوقيت كقول الكميت: أحلامكم لسقام الجهل شافية *** كما دماؤكم تشفي من الكلب شرح الكافية الشافية 1/306. 1 البيت من بحر الكامل لم ينسبه ابن مالك، وهو في شرح الكافية الشافية 1/306 شر ح التسهيل 1/254. والشاهد فيه أن (ما) دلت على الظرفية وصلتها جملة اسمية، وهي (التواصل ممكن) وذلك كثير.
[25665]:?????
[25666]:في ب: ما.
[25667]:البيت من بحر البسيط قاله الكميت بن زيد الأسدي. وهو ديوانه 1/81، شرح الكافية الشافية 1/306، شرح التسهيل 1/255، واللسان (كلب)، الهمع 1/81، ومعاهد التنصيص 3/88، والدرر 1/54، السقام بالفتح: المرض. الكلب بالتحريك: داء يصيب الكلب شبه الجنون. والشاهد فيه أن (ما) مصدرية غير ظرفية، وصلتها جملة اسمية وهي (دماؤكم تشفي من الكلب)، وذلك قليل في غير الظرفية.
[25668]:ي ب: للدخول. وهو تحريف.
[25669]:ي ب: الذي. وهو تحريف.
[25670]:ي ب: أن. وهو تحريف.
[25671]:نظر مشكل إعراب القرآن 2/73 البيان 2/149، التبيان 2/897 البحر المحيط 6/262.
[25672]:في ب: ما جر به. وهو تحريف.
[25673]:ي الأصل: المفعول. وهو تحريف.
[25674]:انظر المختصر 88، البحر المحيط 6/262، والإتحاف 305.
[25675]:في ب: لأنه.
[25676]:مقام: سقط من ب.
[25677]:وذلك أنه لما اتسع في الظرف فأعرب مفعولا به جاز فيه تبعا لذلك أن يرفع على النيابة عن الفاعل. وانظر شرح التصريح 1/290.
[25678]:في ب: هي خبر (إنّ) والاسم الظرف. وهو تحريف.
[25679]:ذه: سقط من ب.
[25680]:ي ب: أي.
[25681]:أن: سقط من ب.
[25682]:انظر البحر المحيط 6/262.
[25683]:التبيان 2/897.
[25684]:انظر مشكل إعراب القرآن 2/73، البيان 2/149.