قوله : { قَالُواْ لَن نُّؤْثِرَكَ على مَا جَآءَنَا مِنَ البينات } أي لن نختارك على ما جاءنا من الدلالات . لمَّا هددهم فرعون أجابوه بما يدل على حصول اليقين{[25643]} التام والبصيرة الكاملة في أصول الدين ، فقالوا : " لَنْ نُؤْثِرَكَ " ، وهذا يدل على أن فرعون طلب منهم الرجوع عن الإيمان وإلاَّ فَعَل بهم وما وعدهم ، ( فأجابوه بقولهم ){[25644]} : { لَنْ نُؤْثِرَكَ } ، وبيَّنوا العلة ، وهي أنَّ الذي جاءهم ببينِّات وأدلة ، والذي يذكره فرعون محض الدنيا{[25645]} .
وقيل : كان استدلالهم أنهم قالوا : لو كان هذا سحراً فأين حبالُنا وعصيُّنا{[25646]} .
قوله : { والَّذِي فَطَرَنَا }{[25647]} فيه وجهان :
أحدهما : أن الواوَ عاطفة عطفت ( هذا الموصول ){[25648]} على " مَا جَاءَنَا " {[25649]} أي : لن نؤثرك على الذي جاءَنا وَلاَ عَلَى الذي فَطَرَنَا ، أي على طاعة الذي فطرنا وعلى عبادته ، وإنما أخروا ذكر الباري تعالى{[25650]} لأنَّه من باب الترقي من الأدْنَى إلى الأعلى{[25651]} .
والثاني : أنَّه واو قسم ، والموصول مقسم به ، وجواب القسم محذوف{[25652]} ، أي وحق الذي فطرنا{[25653]} لن{[25654]} نؤثرك على الحق ، ولا يجوز أن يكونَ الجواب " لَنْ نُؤَثِرًكَ " عند{[25655]} من يجوز تقديم الجواب{[25656]} ، لأنه لا يجاب القسم ب " لَنْ " إلا في شذوذ من الكلام{[25657]} .
قوله : { فَطَرَنَا فاقض مَآ أَنتَ قَاضٍ } يجوز في " مَا " وجهان :
أظهرهما : أنها موصولة بمعنى الذي ، و " أَنْتَ قَاضٍ " صلتها والعائد محذوف ، أي قاضيه ، وجاز حذفه وإن كان مخفوضاً{[25658]} ، لأنه منصوب المحل ، أي فاقضِ الذي أنت قاضيه{[25659]} .
والثاني : أنها مصدرية ظرفية{[25660]} ، والتقدير : فاقْضِ أمرَك مدة ما أنتَ قاضٍ .
ذكر ذلك أبو البقاء{[25661]} . ومنع بعضهم جعلّها مصدرية ، قال : لأنَّ " مَا " المصدرية لا توصل بالجمل الاسمية . وهذا المنع ليس مجمعاً عليه بل جوَّز ذلك جماعة كثيرة{[25662]} ، ونقل ابن{[25663]} مالك {[25664]} أن ذلك إذا دلَّت ( ما ) على الظرفية وأنشد :
وَاصِلْ خَلِيلَكَ مَا التَّوَاصُلُ مُمْكِنٌ *** فَلاَنْتَ أَوْ هُوَ عَنْ قَلِيلٍ ذَاهِبُ{[25665]}
ويقل إن كانت {[25666]} غيره ظرفية وأنشد :
أَحْلاَمُكُمْ لِسَقَامِ الجَهْلِ شَافِيَةٌ *** كَمَا دِمَاؤُكُمُ تَشْفِي مَنَ الكَلَبِ{[25667]}
قوله : { إِنَّمَا تَقْضِي هذه الحياة الدنيآ } يجوز في " ما " هذه وجهان :
أحدهما : أن تكون المهيئة لدخول{[25668]} " إنْ " على الفعل ، و " الحَيَاةِ الدُّنْيَا " {[25669]} ظرف ل " تَقْضِي " ، ومفعوله محذوف ، أي{[25670]} : يقضي غرضك وأمرك{[25671]} . ويجوز أن تكون الحياة مفعولاً به على الاتساع في الظرف بإجرائه{[25672]} مجرى المفعول به كقولك صُمْتُ يومَ الجمعة ، ويدل لذلك قراءة أبي حَيْوَة : " تُقْضَى هَذِهِ الحَيَاة " ببناء الفعل{[25673]} للمفعول ، ورفع " الحَيَاةُ " {[25674]} لقيامها مقام الفاعل ، وذلك أنه{[25675]} اتسع فيه فقام{[25676]} مقام الفاعل فرفع{[25677]} .
والثاني : أنْ تكون " مَا " مصدرية هي اسم " إنَّ " ، والخبر الظرف{[25678]} والتقدير : إنَّ قَضَاءَك في هذه{[25679]} الحياة الدنيا ، يعني{[25680]} : إن لَكَ{[25681]} الدنيا فقط ، ولنا الآخرة{[25682]} .
وقال أبو البقاء : فإنْ كانَ قد قُرِئَ بالرفع فهو خبر " إن " {[25683]} يعني لو قرئ برفع " الحَيَاةُ " لكان خبراً ل " إنَّ " ، ويكون اسمها حينئذ " مَا " وهي موصولة بمعنى الذي ، وعائدُها محذوف تقديره : إن الذي تقضيه هذه الحياة الدنيا لا غيرها{[25684]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.