قوله تعالى : { قلنا اهبطوا منها جميعاً } . يعني هؤلاء الأربعة . وقيل الهبوط الأول من الجنة إلى السماء الدنيا والهبوط الثاني من السماء الدنيا إلى الأرض .
قوله تعالى : { فإما يأتينكم } . أي فإن يأتكم يا ذرية آدم .
قوله تعالى : { مني هدى } . أي رشد وبيان شريعة ، وقيل كتاب ورسول .
قوله تعالى : { فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون } . قرأ يعقوب : فلا خوف بالفتح في كل القرآن ، والآخرون بالضم والتنوين فلا خوف عليهم فيما يستقبلهم ولا هم يحزنون على ما خلفوا ، وقيل : لا خوف عليهم في الدنيا ولا هم يحزنون في الآخرة .
{ قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }
كرر الإهباط ، ليرتب عليه ما ذكر وهو قوله : { فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى } أي : أيَّ وقت وزمان جاءكم مني -يا معشر الثقلين- هدى ، أي : رسول وكتاب يهديكم لما يقربكم مني ، ويدنيكم مني ، ويدنيكم من رضائي ، { فمن تبع هداي } منكم ، بأن آمن برسلي وكتبي ، واهتدى بهم ، وذلك بتصديق جميع أخبار الرسل والكتب ، والامتثال للأمر والاجتناب للنهي ، { فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ }
وفي الآية الأخرى : { فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى }
فرتب على اتباع هداه أربعة أشياء :
نفي الخوف والحزن ، والفرق بينهما أن المكروه إن كان قد مضى ، أحدث الحزن ، وإن كان منتظرا ، أحدث الخوف ، فنفاهما عمن اتبع هداه وإذا انتفيا ، حصل ضدهما ، وهو الأمن التام ، وكذلك نفي الضلال والشقاء عمن اتبع هداه وإذا انتفيا ثبت ضدهما ، وهو الهدى والسعادة ، فمن اتبع هداه ، حصل له الأمن والسعادة الدنيوية والأخروية والهدى ، وانتفى عنه كل مكروه ، من الخوف ، والحزن ، والضلال ، والشقاء ، فحصل له المرغوب ، واندفع عنه المرهوب ، وهذا عكس من لم يتبع هداه ، فكفر به ، وكذب بآياته .
ف { أولئك أصحاب النار } أي : الملازمون لها ، ملازمة الصاحب لصاحبه ، والغريم لغريمه ، { هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } لا يخرجون منها ، ولا يفتر عنهم العذاب ولا هم ينصرون .
وفي هذه الآيات وما أشبهها ، انقسام الخلق من الجن والإنس ، إلى أهل السعادة ، وأهل الشقاوة ، وفيها صفات الفريقين والأعمال الموجبة لذلك ، وأن الجن كالإنس في الثواب والعقاب ، كما أنهم مثلهم ، في الأمر والنهي .
يقول تعالى مخبرا عما أنذر به آدم وزوجته وإبليس حتى{[1621]} أهبطهم من الجنة ، والمراد الذرية : أنه سينزل الكتب ، ويبعث الأنبياء والرسل ؛ كما قال أبو العالية : الهُدَى الأنبياء والرسل والبيان ، وقال مقاتل بن حَيَّان : الهدى محمد صلى الله عليه وسلم . وقال الحسن : الهدى القرآن . وهذان القولان صحيحان ، وقول أبي العالية أعَمّ .
{ فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ } أي : من أقبل على ما أنزلت به الكتب وأرسلت به الرسل { فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ } أي : فيما يستقبلونه من أمر الآخرة { وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ } على ما فاتهم من أمور الدنيا ، كما قال في سورة طه : { قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى } [ طه : 123 ] قال ابن عباس : فلا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة . { وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى } [ طه : 124 ] كما قال هاهنا : { وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.