الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{قُلۡنَا ٱهۡبِطُواْ مِنۡهَا جَمِيعٗاۖ فَإِمَّا يَأۡتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدٗى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ} (38)

( ت ) وهذه الآية تبين أن هبوط آدم كان هبوط تَكْرِمَةٍ ، لما ينشأ عن ذلك من أنواع الخيرات ، وفنون العباداتِ .

و { جَمِيعاً } : حالٌ من الضمير في { اهبطوا } ، واختلف في المقصود بهذا الخطاب .

فقيل : آدم ، وحواء ، وإبليس ، وذريَّتهم ، وقيل : ظاهره العموم ، ومعناه الخصوص في آدم وحواء ، لأن إبليس لا يأتيه هُدًى ، والأول أصح ، لأن إبليس مخاطَبٌ بالإيمان بإجماع .

وأِنْ في قوله : { فَإِمَّا } هي للشرط ، دخلت ( مَا ) عليها مؤكِّدة ليصح دخول النون المشدَّدة ، واختلف في معنى قوله : { هُدًى } فقيل : بيان وإرشاد ، والصواب أن يقال : بيان ودعاءٌ ، وقالت فرقة : الهُدَى الرسُلُ ، وهي إلى آدم من الملائكة ، وإلى بنيه من البشر هو فَمَنْ بعده .

وقوله تعالى : { فَمَن تَبِعَ هُدَايَ }[ البقرة :38 ] .

شرطٌ جوابه ، { فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ }[ البقرة :38 ] ، قال سيبوَيْهِ : والشرط الثاني وجوابه هما جواب الأول في قوله : { فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم }[ البقرة :38 ] .

وقوله تعالى : { فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ }[ البقرة :38 ] .

يحتمل فيما بين أيديهم من الدنيا ، { وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }[ البقرة :38 ] على ما فاتهم منها ، ويحتمل : { لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ } يوم القيامة ، { وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } فيه .

( ت ) وهذا هو الظاهر ، وعليه اقتصر في اختصار الطبريِّ ، ولفظه عن ابن زيد : { فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ }[ البقرة :38 ] ، أي : لا خوف عليهم أمامهم ، قال وليس شيء أعظم في صدر من يموت مما بعد الموتِ ، فأمَّنهم سبحانه منْه ، وسَلاَّهم عن الدنيا انتهى .