السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{قُلۡنَا ٱهۡبِطُواْ مِنۡهَا جَمِيعٗاۖ فَإِمَّا يَأۡتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدٗى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ} (38)

{ قلنا اهبطوا منها } أي : من الجنة { جميعاً } كرّر للتأكيد أو لاختلاف المقصود فإنّ الأوّل دل على هبوطهم إلى دار بلية يتعادون فيها ولا يخلدون ، والثاني أشعر بأنهم أهبطوا للتكليف فمن اهتدى لهذا نجا ومن ضله هلك ، وقيل : الهبوط الأوّل من الجنة إلى السماء الدنيا ، والهبوط الثاني من السماء الدنيا إلى الأرض { فإمّا } فيه إدغام إنّ الشرطية في ما المزيدة { يأتينكم } يا ذرّية آدم { مني هدى } أي : رشد وبيان شريعة ، وقيل : كتاب ورسول { فمن تبع هداي } بأن آمن بي وعمل بطاعتي وكرّر لفظ الهدى ولم يضمر إمّا لإظهار شأنه وفخامته خصوصاً مع إضافته إليه ، أو لأنه أراد بالثاني أعمّ من الأوّل وهو ما أتى به الرسل واقتضاه العقل أي : فمن تبع ما أتاه راعياً فيه ما يشهد به العقل { فلا خوف عليهم } فضلاً من أن يحل بهم مكروه { ولا هم يحزنون } بفوات محبوب عنهم وهو النظر إلى وجهه تعالى فيحزنوا عليه بل يتنعمون بالنظر إلى وجهه تعالى فإنه المقصود الأعظم فالخوف على الواقع نفى عنهم العقاب فأثبت لهم الثواب على آكد وجه وأبلغه ، وقيل : لا خوف عليهم في الدنيا ولا هم يحزنون في الآخرة . وأمال الدوري عن الكسائي ألف هداي محضة ، وورش بالفتح وبين اللفظين ، والباقون بالفتح ، وإنما جيء بحرف الشك وإتيان الهدى واقع كائن لأنه محتمل في نفسه غير واجب عقلاً .