فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{قُلۡنَا ٱهۡبِطُواْ مِنۡهَا جَمِيعٗاۖ فَإِمَّا يَأۡتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدٗى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ} (38)

{ قلنا اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، والذين كفرو وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ، يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم وإياي فارهبون } ،

{ قلنا اهبطوا منها جميعا } إما في زمان واحد أو في أزمنة متفرقة ، لأن المراد الاشتراك في أصل الفعل ، وهذا هو الفرق بين جاءوا جميعا ، وجاءوا معا يعني هؤلاء الأربعة أو آدم وحواء وذريتهما ، وكرر قوله اهبطوا للتوكيد والتغليظ ، وقيل إنه لما تعلق به حكم غير الحكم الأول كرره ، ولا تزاحم بين المقتضيات ، فقد يكون التكرير للأمرين معا أخرج عبد ابن حميد والحاكم وصححه عن ابن عباس قال ما سكن آدم الجنة إلا ما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس ، وعنه ما غابت الشمس من ذلك اليوم حتى أهبط من الجنة ، وعن الحسن قال لبث آدم في الجنة ساعة من نهار . تلك الساعة مائة وثلاثون سنة من أيام الدنيا .

وأخرج البخاري والحاكم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( لولا بنو إسرائيل لم يخنز اللحم{[90]} ، ولولا حواء لم تخن أنثى زوجها ) ، وقد ثبت أحاديث كثيرة عن جماعة من الصحابة في الصحيحين وغيرهما في محاجة آدم وموسى عليهما السلام ، وحج موسى بقوله أتلومني على أمر قدره الله علي قبل أن أخلق .

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال أول ما أهبط الله آدم إلى أرض الهند وعنه إلى أرض بين مكة والطائف ، وعن علي أطيب ريح الأرض الهند هبط بها آدم فعلق شجرها من ريح الجنة ، وقد روى عن جماعة من الصحابة أن آدم أهبط إلى أرض الهند ، منهم جابر وابن عمر وعلي ، وقد روى عن جماعة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم حكايات في صفة هبوط آدم من الجنة وما أهبط معه وما صنع عند وصوله إلى الأرض ، ولا حاجة لنا ببسط جميع ذلك ، وقد ذكر طرفا منها الحافظ ابن القيم في الحادي .

{ فإما يأتينكم مني هدى } أي رشد وبيان وشريعة ، وقيل كتاب ورسول ، وقيل التوفيق للهداية { فمن تبع هداي فلا خوف عليهم } فيما يستقبلهم ، وقيل عند الفزع الأكبر { ولا هم يحزنون } أي ما خلفوا وفاتهم من الدنيا ، وقال ابن جبير لا خوف عليهم في الآخرة ولا يحزنون للموت ، والخوف هو الذعر ، ولا يكون إلا في المستقبل ، والحزن ضد السرور ، قال اليزيدي حزنه لغة تميم .


[90]:المستدرك4/175.