تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَلَمۡ يَكُن لَّهُۥ كُفُوًا أَحَدُۢ} (4)

{ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ } لا في أسمائه ولا في أوصافه ، ولا في أفعاله ، تبارك وتعالى .

فهذه السورة مشتملة على توحيد الأسماء والصفات .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَلَمۡ يَكُن لَّهُۥ كُفُوًا أَحَدُۢ} (4)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{ ولم يكن له كفوا أحد } يقول : لم يكن له عدل ، ولا مثل ... تبارك وتعالى علوا كبيرا ...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وقوله : { وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أحَدٌ } اختلف أهل التأويل في معنى ذلك ؛

فقال بعضهم : معنى ذلك : ولم يكن له شبيه ولا مِثْل ...

وقال آخرون : معنى ذلك ، أنه لم يكن له صاحبة ...

والكُفُؤْ والكفئ والكِفاء في كلام العرب واحد ، وهو المِثْل والشّبْه...

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

ويقال : السورة بعضها تفسيرٌ لبعض ؛ مَنْ هو الله ؟ هو الله ، مَن الله ؟ الأحد ، مَن الأحد ؟ الصمد ، مَن الصمد ؟ الذي لم يلد ولم يولد ، مَن الذي لم يلد ولم يولَد ؟ الذي لم يكن له كفواً أحد .

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

ولم يكافئه أحد ، أي : لم يماثله ولم يشاكله ...

سألوه أن يصفه لهم ، فأوحى إليه ما يحتوى على صفاته ، فقوله : { هُوَ الله } إشارة لهم إلى من هو خالق الأشياء وفاطرها ، وفي طيّ ذلك وصفه بأنه قادر عالم ؛ لأنّ الخلق يستدعي القدرة والعلم ... { أَحَدٌ } وصف بالوحدانية ونفي الشركاء . ....{ الصمد } وصف بأنه ليس إلاّ محتاجاً إليه ، وإذا لم يكن إلاّ محتاجاً إليه فهو غني، وفي كونه غنياً مع كونه عالماً : أنه عدل غير فاعل للقبائح ، لعلمه بقبح القبيح ، وعلمه بغناه عنه .

وقوله : { لَمْ يُولَدْ } وصف بالقدم والأوّلية .

وقوله : { لَمْ يَلِدْ } نفي للشبه والمجانسة .

وقوله : { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } تقرير لذلك ، وبت للحكم به .

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

واعلم أن هذه السورة أربع آيات ، وفي ترتيبها أنواع من الفوائد ؛

الفائدة الأولى : أن أول السورة يدل على أنه سبحانه واحد ، والصمد على أنه كريم رحيم لأنه لا يصمد إليه حتى يكون محسنا و{ لم يلد ولم يولد } على أنه غني على الإطلاق ومنزه عن التغيرات فلا يبخل بشيء أصلا ، ولا يكون جوده لأجل جر نفع أو دفع ضر ، بل بمحض الإحسان، وقوله : { ولم يكن له كفوا أحد } إشارة إلى نفي ما لا يجوز عليه من الصفات . ...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{ ولم يكن } ، أي لم يتحقق ولم يوجد بوجه من الوجوه ، ولا بتقدير من التقادير { له } أي خاصة { كفواً } ، أي مثلاً ومساوياً ، { أحد } على الإطلاق ، أي لا يساويه في قوة الوجود ....

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

أي لم يوجد له مماثل أو مكافئ . لا في حقيقة الوجود ، ولا في حقيقة الفاعلية ، ولا في أية صفة من الصفات الذاتية . وهذا كذلك يتحقق بأنه( أحد ) ولكن هذا توكيد وتفصيل . . وهو نفي للعقيدة الثنائية التي تزعم أن الله هو إله الخير وأن للشر إلها يعاكس الله - بزعمهم - ويعكس عليه أعماله الخيرة وينشر الفساد في الأرض ....

التيسير في أحاديث التفسير للمكي الناصري 1415 هـ :

{ ولم يكن له كفوا أحد } ، أي : ليس له من خلقه نظير يساميه أو يدانيه ، ولذلك تنزه جل جلاله عن اتخاذ الزوجة ، كما تنزه عن الولد ...

ختام السورة:

الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 671 هـ :

القول في الأحاديث الواردة في فضل هذه السورة ، وفيه ثلاث مسائل : الأولى : ثبت في صحيح البخاري عن أبي سعيد الخدري : أن رجلا سمع رجلا يقرأ { قل هو الله أحد } يرددها ، فلما أصبح جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكر ذلك له ، وكان الرجل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن " . وعنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه : " أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة " ؟ فشق ذلك عليهم ، وقالوا : أينا يطيق ذلك يا رسول الله ؟ فقال : " الله الواحد الصمد ثلث القرآن " ، خرجه مسلم من حديث أبي الدرداء بمعناه . ...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

وقد وضح أن هذه السورة أعظم مبين للذات الأقدس بترتيب لا يتصور في العقل أن يكون شيء يساويه ، وكلمات لا تقع في الوهم أن يكون شيء يساويها أو يساوي شيئاً منها ، فأثبت أولاً حقيقته المحضة وهويته بأنه هو ، لا اسم لتلك الحقيقة من حيث هي إلا ذلك ، فعلم أنه واجب الوجود لذاته لا لشيء آخر أصلاً ، ثم عقب ذلك بياناً له بذكر الإلهية التي هي أقرب اللوازم لتلك الحقيقة وأشدها تعريفاً . ولما اقتضت الإلهية الوحدة ؛ لأنها عبارة عن الاستغناء المطلق ، واحتياج الغير إليه الاحتياج المطلق ، دل عليها بالأحد ، ودل على تحقيق معنى الإلهية والوحدة معاً بالصمدية لما لها من المعنيين : وجوب الوجود بعدم الجوف وجوداً أو تقديراً ، والسيادة المفيضة لكل وجود على كل موجود وجوداً لا يشبه وجوده سبحانه... وبين المعنيين كليهما بعدم صحة التوليد منه وله وعدم المساوي ، فمن أول السورة إلى آخر الأسماء في بيان حقيقته سبحانه وتعالى ولوازمها الأقرب فالأقرب ، ووحدتها بكل اعتبار ، ومن ثم إلى آخرها في بيان أن لا مساوي له ؛ لأنه لا جنس له ولا نوع حتى يكون هو متولداً عن شيء ، أو يكون متولداً عنه شيء ، أو يكون شيء موازياً له في الوجود ....

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

هذه السورة إثبات وتقرير لعقيدة التوحيد الإسلامية ، كما أن سورة " الكافرون " نفي لأي تشابه أو التقاء بين عقيدة التوحيد وعقيدة الشرك . . وكل منهما تعالج حقيقة التوحيد من وجه . وقد كان الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] يستفتح يومه - في صلاة سنة الفجر - بالقراءة بهاتين السورتين . . وكان لهذا الافتتاح معناه ومغزاه . .

التفسير الحديث لدروزة 1404 هـ :

... ومهما يكن من أمر الرواية فالسورة قد استهدفت تقرير عقيدة الوحدة الإلهية ، ونفي كل ما يتناقض معها من العقائد الموجودة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، وما تنطوي عليه هذه العقائد من المشابهة والمماثلة والتعدد والشركة والوالدية والولدية بأسلوب حاسم وجيز .

ففي إعلان الوحدة الإلهية رد على من يجعل الله أكثر من واحد ، سواء أكان هذا التعدد مؤولا مرده إلى الوحدة كما هو في العقيدة النصرانية ، أم غير مؤول كما هو في عقيدة المشركين .

وفي إعلان أن الله هو المتجه المفرد والغني المطلق رد على ما كان من اتجاه بعض الفئات إلى غيره ، أو إليه وإلى غيره معا إشراكا واستشفاعا ، ورد على ما كان من اعتقاد بعض الفئات من حاجة الله إلى المساعدين في تدبير ملكوت السماوات والأرض ، ومن أثر هؤلاء المساعدين في الكون إيجابا وسلبا ، ونفعا وضرا .

وفي إعلان نفي الولد عن الله رد على من كان يعتقد أن لله ولدا ، سواء أكان ذلك من مشركي العرب الذين كانوا يعتقدون أن الملائكة بنات الله ، أم النصارى الذين كانوا يعتقدون أن المسيح ابن الله ، أم اليهود الذين كانوا يعتقدون أن العزير ابن الله كما جاء في آية سورة التوبة [ 30 ] .

وفي إعلان نفي تولد الله من والد ردّ على من كان يتخذ الملائكة أو المسيح آلهة ، ويعتقدون أنهم أولاد الله .

وفي إعلان نفي المماثلة رد على من كان يتخذ لله أندادا ، ويجعل له شركاء في الخلق والاتجاه والعبادة وارتجاء الخير واتقاء الشر ، كما حكت ذلك آيات عديدة مثل آية سورة البقرة هذه : { ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله } [ 165 ] ، وآية سورة الرعد هذه : { قل من رب السماوات والأرض قل الله قل أفاتخذتم من دونه أولياء لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا قل هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظلمات والنور أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقة فتشابه الخلق عليهم قل الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار16 } .

والسورة في حسمها وإيجازها قطعية المعنى التقريري ، سهلة الحفظ والإيراد على لسان كل مؤمن ، وعنوان الإخلاص في عقيدة الله ووحدته ، وتفرده بالربوبية ، وشمول قدرته وتصرفه ، واستغنائه عن كل معين ، واحتياج جميع الكائنات إليه . وهي من هذا الاعتبار الصورة الواضحة القطعية المحكمة المجردة من كل الملابسات والشبهات للعقيدة الإسلامية بذات الله ، بحيث تكون مرد كل ما يمكن أن يكون من الألفاظ والآيات المتشابهة التي قد تكون وردت في القرآن على سبيل التقريب والتمثيل في نطاق اللغة البشرية ومفاهيمها .

وليس من ريب في أن من شأن الإخلاص في هذه العقيدة على هذا الوجه الحاسم المحكم أن يحرر النفس الإنسانية من الشبهات والارتكاسات والتأويلات والحيرة والخضوع لغير الله من القوى والمظاهر ، وأن يجعل اتجاهها لله الواحد الأحد الشامل القدرة ، المنزه عن كل ما يتناقض مع هذا الشمول والتفرد ، كما أن من شأنه أن يبعث فيها الطمأنينة والقوة والمناعة من التأثر بأي مؤثر ، ومن ارتجاء الخير واتقاء الشر من أي مصدر ، ومن الخضوع لأي قوة ، والرهبة من أحد غيره ، والأمل في سواه .

ويلحظ أن السورة قد اقتصرت كما قلنا على تقرير عقيدة الوحدة الإلهية ، ونفي كل ما يتناقض معها ؛ حيث يبدو أن حكمة التنزيل اقتضت ذلك في هذه السورة إزاء ما كان سائدا في العالم من نقائض متنوعة المدى لهذه الوحدة المستغنية عن كل شيء ، والتي هي مرجع ومصدر كل شيء . ولقد وصف الله عز وجل في السور السابقة واللاحقة برب العالمين الرحمن الرحيم المالك لكل شيء ، والعالم بكل شيء ، والمحيط بكل شيء ، والقادر على كل شيء ، والمتصرف في كل شيء ، الذي لا تدركه الأبصار ، والذي ليس كمثله شيء ، المتصف بجميع صفات الكمال ، والمنزه عن كل شائبة ونقص . وبذلك تكتمل الصورة القرآنية لله عز وجل في العقيدة الإسلامية كمالا لا يماثله ؛ بل ولا يدانيه شيء من الصور الإلهية في مختلف الديانات الأخرى .

ومعظم روايات النزول وتراتيب السور تجعل هذه السورة بعد سورتي الناس والفلق ، مما يسوغ القول : إن السور الثلاث نزلت في ظرف واحد ، وأوقات متقاربة ، أو متعاقبة . ولهذا دلالة مهمة من حيث توكيد السور الثلاث عدم وجود غير قوة الله الواحد الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا أحد قادرة على النفع والضرر ، والمنع والإعطاء . ومن حيث إيجاب الاستعاذة به وحده ، وعدم خشية أحد غيره ، وعدم الاتجاه إلى غيره في أي مطلب وحاجة .