الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{وَلَمۡ يَكُن لَّهُۥ كُفُوًا أَحَدُۢ} (4)

ولم يكافئه أحد ، أي : لم يماثله ولم يشاكله . ويجوز أن يكون من الكفاءة في النكاح ، نفياً للصاحبة : سألوه أن يصفه لهم ، فأوحى إليه ما يحتوى على صفاته ، فقوله : { هُوَ الله } إشارة لهم إلى من هو خالق الأشياء وفاطرها ، وفي طيّ ذلك وصفه بأنه قادر عالم ؛ لأنّ الخلق يستدعي القدرة والعلم ، لكونه واقعاً على غاية إحكام واتساق وانتظام . وفي ذلك وصفه بأنه حيّ سميع بصير . وقوله : { أَحَدٌ } وصف بالوحدانية ونفي الشركاء . وقوله : { الصمد } وصف بأنه ليس إلاّ محتاجاً إليه ، وإذا لم يكن إلاّ محتاجاً إليه : فهو غني . وفي كونه غنياً مع كونه عالماً : أنه عدل غير فاعل للقبائح ، لعلمه بقبح القبيح ، وعلمه بغناه عنه . وقوله : { لَمْ يُولَدْ } وصف بالقدم والأوّلية .

وقوله : { لَمْ يَلِدْ } نفي للشبه والمجانسة . وقوله : { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } تقرير لذلك ، وبت للحكم به ،

فإن قلت : الكلام العربي الفصيح أن يؤخر الظرف الذي هو لغو غير مستقر ولا يقدم ، وقد نصّ سيبويه على ذلك في كتابه ، فما باله مقدّماً في أفصح كلام وأعربه ؟ قلت : هذا الكلام إنما سيق لنفي المكافأة عن ذات الباري سبحانه ؛ وهذا المعنى مصبه ومركزه هو هذا الظرف ، فكان لذلك أهم شيء وأعناه ، وأحقه بالتقدم وأحراه . وقرىء : «كفؤاً » بضم الكاف والفاء ، وبضم الكاف وكسرها مع سكون الفاء .

فإن قلت : لم كانت هذه السورة عدل القرآن كله على قصر منها ، وتقارب طرفيها ؟ قلت : لأمر ما يسود من يسود ، وما ذاك إلا لاحتوائها على صفات الله تعالى وعدله وتوحيده ، وكفى دليلاً من اعتراف بفضلها وصدق بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها : إنّ علم التوحيد من الله تعالى بمكان ، وكيف لا يكون كذلك والعلم تابع للمعلوم : يشرف بشرفه ، ويتضع بضعته ؛ ومعلوم هذا العلم هو الله تعالى وصفاته ، وما يجوز عليه وما لا يجوز ، فما ظنك بشرف منزلته ، وجلالة محله ، وإنافته على كل علم ، واستيلائه على قصب السبق دونه ؛ ومن ازدراه فلضعف علمه بمعلومه ، وقلة تعظيمه له ، وخلوه من خشيته ، وبعده من النظر لعاقبته . اللهم احشرنا في زمرة العالمين بك ، العاملين لك ، القائلين بعدلك وتوحيدك ، الخائفين من وعيدك . وتسمى سورة الأساس لاشتمالها على أصول الدين ، وروى أبيّ وأنس عن النبي صلى الله عليه وسلم : " أسست السموات السبع والأرضون السبع على { قل هو الله أحد } " ، يعني ما خلقت إلاّ لتكون دلائل على توحيد الله ، ومعرفة صفاته التي نطقت بها هذه السورة .

ختام السورة:

عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنه سمع رجلاً يقرأ : قل هو الله أحد فقال : «وجبت » . قيل : يا رسول الله ، وما وجبت ؟ قال : " وجبت له الجنة " .