فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَلَمۡ يَكُن لَّهُۥ كُفُوًا أَحَدُۢ} (4)

{ ولم يكن له كفوا أحدا } هذه الجملة مقررة لمضمون ما قبلها ؛ لأنه سبحانه إذا كان متصفا بالصفات المتقدمة كان متصفا بكونه لم يكافئه أحد ، ولم يماثله ، ولا يشاركه في شيء ، وآخر اسم كان لرعاية الفواصل .

وقوله : ( له ) متعلق بقوله ( كفوا ) ، قدم عليه لرعاية الاهتمام ؛ لأن المقصود نفي المكافأة عن ذاته . وقيل : إنه في محل نصب على الحال ، والأول أولى .

وقد رد المبرد على سيبويه بهذه الآية ؛ لأن سيبويه قال : إنه إذا تقدم الظرف كان هو الخبر ، وههنا لم يجعل خبرا مع تقدمه ، وقد رد على المبرد بوجهين :

( أحدهما ) أن سيبويه لم يجعل ذلك حتما ؛ بل جوزه .

( والثاني ) أنا لا نسلم كون الظرف هنا ليس بخبر ؛ بل يجوز أن يكون خبرا ، ويكون كفوا منتصبا على الحال .

وحكي في الكشاف عن سيبويه أن الكلام العربي الفصيح أن يؤخر الظرف الذي هو لغو غير مستقر ، واقتصر في هذه الحكاية على نقل أول كلام سيبويه ، ولم ينظر إلى آخره ، فإنه قال في آخر كلامه : والتقديم والتأخير والإلغاء والاستقرار عربي جيد كثير انتهى .

قال الشهاب : ولعل الوصل بين هذه الجمل الثلاث وهي{ لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد } بالعاطف دون ما عداها من هذه السورة ؛ لأنها سيقت لمعنى وغرض واحد ، وهو نفي المماثلة والمناسبة عنه تعالى بوجه من الوجوه ، وهذه أقسامها ؛ لأن المماثل إما ولد ، أو والد ، أو نظير ، فلتغاير الأقسام واجتماعها في المقسم لزم العطف فيها بالواو ، وكما هو مقتضى قواعد المعاني . وترك العطف في { الله الصمد } ؛ لأنه محقق ومقرر لما قبله . وكذا ترك العطف في { لم يلد } ؛ لأنه مؤكد للصمدية ؛ لأن الغني عن كل شيء المحتاج إليه كل ما سواه لا يكون والدا ، ولا مولودا ، انتهى .

قرأ الجمهور ( كفوا ) بضم الكاف والفاء وتسهيل الهمزة ، وقرأ الأعرج وسيبويه ونافع في رواية عنه بإسكان الفاء مع إبدال الهمزة واوا في الوقف ، وأبدلت الواو وصلا ووقفا أيضا ، وقرئ ( كفا ) بكسر الكاف وفتح الفاء من غير مد ، وكذلك مع المد ، والكفء في لغة العرب النظير ، تقول : هذا كفؤك ، أي نظيرك ، والاسم الكفاءة بالفتح . قال ابن عباس : ليس له كفء ، ولا مثل ، ومن زعم أن نفي الكفء وهو المثل في الماضي لا يدل على نفيه للحال ، والكفار يدعونه في الحال ، فقد تاه في غيه ؛ لأنه إذا لم يكن فيما مضى لم يكن في الحال ضرورة ؛ إذ الحادث لا يكون كفأ للقديم ، وحاصل كلام الكفرة يؤول إلى الإشراك والتشبيه والتعطيل ، والسورة الكريمة تدفع الكل .

أخرج البخاري عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : " كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك ، وشتمني ولم يكن له ذلك ، فأما تكذيبه إياي فقوله : لن يعيدني كما بدأني ، وليس أول الخلق بأهون عليّ من إعادته ، وأما شتمه إياي فقوله : اتخذ الله ولدا ، وأنا الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد " .