{ ولم يكن له كفوا أحدا } هذه الجملة مقررة لمضمون ما قبلها ؛ لأنه سبحانه إذا كان متصفا بالصفات المتقدمة كان متصفا بكونه لم يكافئه أحد ، ولم يماثله ، ولا يشاركه في شيء ، وآخر اسم كان لرعاية الفواصل .
وقوله : ( له ) متعلق بقوله ( كفوا ) ، قدم عليه لرعاية الاهتمام ؛ لأن المقصود نفي المكافأة عن ذاته . وقيل : إنه في محل نصب على الحال ، والأول أولى .
وقد رد المبرد على سيبويه بهذه الآية ؛ لأن سيبويه قال : إنه إذا تقدم الظرف كان هو الخبر ، وههنا لم يجعل خبرا مع تقدمه ، وقد رد على المبرد بوجهين :
( أحدهما ) أن سيبويه لم يجعل ذلك حتما ؛ بل جوزه .
( والثاني ) أنا لا نسلم كون الظرف هنا ليس بخبر ؛ بل يجوز أن يكون خبرا ، ويكون كفوا منتصبا على الحال .
وحكي في الكشاف عن سيبويه أن الكلام العربي الفصيح أن يؤخر الظرف الذي هو لغو غير مستقر ، واقتصر في هذه الحكاية على نقل أول كلام سيبويه ، ولم ينظر إلى آخره ، فإنه قال في آخر كلامه : والتقديم والتأخير والإلغاء والاستقرار عربي جيد كثير انتهى .
قال الشهاب : ولعل الوصل بين هذه الجمل الثلاث وهي{ لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد } بالعاطف دون ما عداها من هذه السورة ؛ لأنها سيقت لمعنى وغرض واحد ، وهو نفي المماثلة والمناسبة عنه تعالى بوجه من الوجوه ، وهذه أقسامها ؛ لأن المماثل إما ولد ، أو والد ، أو نظير ، فلتغاير الأقسام واجتماعها في المقسم لزم العطف فيها بالواو ، وكما هو مقتضى قواعد المعاني . وترك العطف في { الله الصمد } ؛ لأنه محقق ومقرر لما قبله . وكذا ترك العطف في { لم يلد } ؛ لأنه مؤكد للصمدية ؛ لأن الغني عن كل شيء المحتاج إليه كل ما سواه لا يكون والدا ، ولا مولودا ، انتهى .
قرأ الجمهور ( كفوا ) بضم الكاف والفاء وتسهيل الهمزة ، وقرأ الأعرج وسيبويه ونافع في رواية عنه بإسكان الفاء مع إبدال الهمزة واوا في الوقف ، وأبدلت الواو وصلا ووقفا أيضا ، وقرئ ( كفا ) بكسر الكاف وفتح الفاء من غير مد ، وكذلك مع المد ، والكفء في لغة العرب النظير ، تقول : هذا كفؤك ، أي نظيرك ، والاسم الكفاءة بالفتح . قال ابن عباس : ليس له كفء ، ولا مثل ، ومن زعم أن نفي الكفء وهو المثل في الماضي لا يدل على نفيه للحال ، والكفار يدعونه في الحال ، فقد تاه في غيه ؛ لأنه إذا لم يكن فيما مضى لم يكن في الحال ضرورة ؛ إذ الحادث لا يكون كفأ للقديم ، وحاصل كلام الكفرة يؤول إلى الإشراك والتشبيه والتعطيل ، والسورة الكريمة تدفع الكل .
أخرج البخاري عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : " كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك ، وشتمني ولم يكن له ذلك ، فأما تكذيبه إياي فقوله : لن يعيدني كما بدأني ، وليس أول الخلق بأهون عليّ من إعادته ، وأما شتمه إياي فقوله : اتخذ الله ولدا ، وأنا الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد " .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.