السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَلَمۡ يَكُن لَّهُۥ كُفُوًا أَحَدُۢ} (4)

{ ولم يكن } ، أي : لم يتحقق ولم يوجد بوجه من الوجوه ولا بتقدير من التقادير { له } ، أي : خاصة { كفواً } ، أي : مثلاً ومساوياً { أحد } على الإطلاق ، أي : لا يساويه في قوّة الوجود ؛ لأنه لو ساواه في ذلك لكانت مساواته باعتبار الجنس والفصل ، فيكون وجوده متولداً عن الازدواج الحاصل من الجنس الذي يكون كالأمّ ، والفصل الذي يكون كالأب ، وقد ثبت أنه لا يصح بوجه من الوجوه أن يكون في شيء من الولادة ؛ لأنّ وجوب وجوده لذاته ، فانتفى أن يساويه شيء . وكان الأصل أن يؤخر الظرف ؛ لأنه صلة لكن لما كان المقصود نفي المكافأة عن ذاته تعالى قدّم تقديماً للأهمّ ، ويجوز أن يكون حالاً من المستكن في كفؤاً ، أو خبراً ، أو يكون كفؤاً حالاً من أحد ، وعطف هاتين الجملتين على الجملة التي قبلهما ؛ لأنّ الثلاث شرح الصمدية النافية لأقسام الأمثال ، فهي كالجملة الواحدة .

روى أبو هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : «يقول الله تعالى : كذبني ابن آدم ، ولم يكن له ذلك ، وشتمني ، ولم يكن له ذلك ، فأمّا تكذيبه إياي يقول : لن يعيدني كما بدأني ، وليس أوّل الخلق بأهون عليّ من إعادته ، وأما شتمه إياي فقوله : اتخذ الله ولداً وأنا الأحد الصمد ، لم ألد ولم أولد ، ولم يكن لي كفؤاً أحد » . وقرأ حمزة بسكون الفاء ، والباقون بضمها ، وقرأ حفص كفواً بالواو وقفاً ووصلاً ، وإذا وقف حمزة وقف بالواو .

وروي في فضائل هذه السورة أحاديث كثيرة منها ما روى البخاري عن أبي سعيد الخدري «أن رجلاً سمع رجلاً يقرأ { قل هو الله أحد } يردّدها ، فلما أصبح أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له ، وكأن الرجل يتقللها ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم :«والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن » .

فإن قيل : لم كانت تعدل ثلث القرآن ؟

أجيب : بأن القرآن أنزل أثلاثاً : ثلث أحكام ، وثلث وعد ووعيد ، وثلث أسماء وصفات ، فجمعت هذه السورة أحد الأثلاث ، وهو الأسماء والصفات . وقيل : إنها تعدل القرآن كله مع قصر متنها وتقارب طرفيها ، وما ذاك إلا لاحتوائها على صفات الله تعالى وعدله وتوحيده ، وكفى بذلك دليلاً لمن اعترف بفضلها .

ومنها ما روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها «أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلاً على سرية فكان يقرأ في صلاتهم فيختم ب { قل هو الله أحد } ، فلما رجعوا ذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : سلوه لأيّ شيء يصنع ذلك ؟ فسألوه فقال : لأنها صفة الرحمن ، فأنا أحب أن أقرأ بها ، فقال صلى الله عليه وسلم : أخبروه أن الله تعالى يحبه » .

ومنها ما رواه الترمذي عن أنس بن مالك «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يقرأ { قل هو الله أحد } ، فقال صلى الله عليه وسلم : " وجبت " . قلت : ما وجبت ؟ قال : " الجنة " » .

ومنها ما روى أنس أيضاً «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من قرأ { قل هو الله أحد } خمسين مرة «غفرت ذنوبه » . ومنها ما روى سعيد بن المسيب «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من قرأ { قل هو الله أحد } عشر مرّات بنى الله له قصراً في الجنة ، ومن قرأها عشرين مرّة بنى الله له قصرين في الجنة ، ومن قرأها ثلاثين مرّة بنى الله له ثلاث قصور في الجنة ، فقال عمر : إذن تكثر قصورنا . فقال صلى الله عليه وسلم : أوسع من ذلك » .

ومنها ما رواه الطبراني عن أبي هريرة رضي الله عنه «أنه صلى الله عليه وسلم قال : من قرأ { قل هو الله أحد } بعد صلاة الصبح اثنتي عشرة مرّة فكأنما قرأ القرآن أربع مرّات ، وكان أفضل أهل الأرض يومئذ إذا اتقى » . وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال : «من قرأ { قل هو الله أحد } في مرضه الذي يموت فيه لم يفتن في قبره ، وأمن من ضغطة القبر ، وحملته الملائكة بأكفها حتى تجيزه من الصراط إلى الجنة » . وقد أفردت أحاديثها بالتأليف ، وفي هذا القدر كفاية لأولي الألباب .

ختام السورة:

ولها أسماء كثيرة ، وزيادة الأسماء تدل على شرف المسمى . أحدها : أنها سورة التفريد ، ثانيها : سورة التجريد ، ثالثها : سورة التوحيد ، رابعها : سورة الإخلاص ، خامسها : سورة النجاة ، سادسها : سورة الولاية ، سابعها : سورة النسبة ، لقولهم : انسب لنا ربك ، ثامنها : سورة المعرفة ، تاسعها : سورة الجمال ، عاشرها : سورة المقشقشة ، حادي عشرها : سورة المعوذة ، ثاني عشرها : سورة الصمد ، ثالث عشرها : سورة الأساس ، قال : أسست السموات السبع والأرضين السبع على { قل هو الله أحد } ، رابع عشرها : المانعة ؛ لأنها تمنع فتنة القبر ونفحات النار ، خامس عشرها : سورة المحتضر ؛ لأنّ الملائكة تحضر لاستماعها إذا قرئت ، سادس عشرها : المنفرة ؛ لأن الشياطين تنفر عند قراءتها ، سابع عشرها : سورة البراءة ؛ لأنها براءة من الشرك ، ثامن عشرها : المذكرة ؛ لأنها تذكر العبد خالص التوحيد ، تاسع عشرها : سورة النور ؛ لأنها تنوّر القلب ، المكمل للعشرين سورة الإنسان ، قال صلى الله عليه وسلم «إذا قال العبد : الله ، قال الله : دخل حصني ، ومن دخل حصني أمن من عذابي » . فنسأل الله تعالى أن يجيرنا من عذابه ، ويدخلنا الجنة نحن وجميع الأحباب بغير حساب ؛ لأنه كريم حليم وهاب .

وما رواه البيضاوي من أنها تعدل " ثلث القرآن " ، فرواه البخاري ، ومن أنه صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يقرؤها الخ فرواه الترمذي والنسائي وغيرهما .