معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{صُمُّۢ بُكۡمٌ عُمۡيٞ فَهُمۡ لَا يَرۡجِعُونَ} (18)

قوله تعالى : { صم } . أي هم صم عن الحق لا يقبلونه وإذا لم يقبلوا فكأنهم لم يسمعوا .

قوله تعالى : { بكم } . خرس عن الحق لا يقولونه أو أنهم لما أبطنوا خلاف ما أظهروا فكأنهم لم ينطقوا بالحق .

قوله تعالى : { عمي } . أي لا بصائر لهم ومن لا بصيرة له كمن لا بصر له .

قوله تعالى : { فهم لا يرجعون } . عن الضلالة إلى الحق .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{صُمُّۢ بُكۡمٌ عُمۡيٞ فَهُمۡ لَا يَرۡجِعُونَ} (18)

{ صُمٌّ } أي : عن سماع الخير ، { بُكْمٌ } [ أي ] : عن النطق به ، { عُمْيٌ } عن رؤية الحق ، { فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ } لأنهم تركوا الحق بعد أن عرفوه ، فلا يرجعون إليه ، بخلاف من ترك الحق عن جهل وضلال ، فإنه لا يعقل ، وهو أقرب رجوعا منهم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{صُمُّۢ بُكۡمٌ عُمۡيٞ فَهُمۡ لَا يَرۡجِعُونَ} (18)

1

وإذا كانت الآذان والألسنة والعيون ، لتلقي الأصداء والأضواء ، والانتفاع بالهدى والنور ، فهم قد عطلوا آذانهم فهم( صم ) وعطلوا ألسنتهم فهم( بكم ) وعطلوا عيونهم فهم( عمي ) . . فلا رجعة لهم إلى الحق ، ولا أوبة لهم إلى الهدى . ولا هداية لهم إلى النور !

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{صُمُّۢ بُكۡمٌ عُمۡيٞ فَهُمۡ لَا يَرۡجِعُونَ} (18)

{ صم بكم عمي } لما سدوا مسامعهم عن الإصاخة إلى الحق وأبوا أن ينطقوا به ألسنتهم ويتبصروا الآيات بأبصارهم ، جعلوا كأنما أيفت مشاعرهم وانتفت قواهم كقوله :

صم إذا سمعوا خيرا ذكرت به *** وإن ذكرت بسوء عندهم أذنوا

وكقوله :

أصم عن الشيء الذي لا أريده *** وأسمع خلق الله حين أريد

وإطلاقها عليهم على طريقة التمثيل ، لا الاستعارة إذ من شرطها أن يطوي ذكر المستعار له ، بحيث يمكن حمل الكلام على المستعار منه لولا القرينة كقول زهير :

لدى أسد شاكي السلاح مقذف *** له لبد أظفاره لم تقلم

ومن ثم ترى المفلقين السحرة يضربون عن توهم التشبيه صفحا كما قال أبو تمام الطائي :

ويصعد حتى يظن الجهول *** بأن له حاجة في السماء

وههنا وإن طوى ذكره بحذف المبتدأ لكنه في حكم المنطوق به ، ونظيره :

أسد علي وفي الحروب نعامة *** فتخاء تنفر من صفير الصافر

هذا إذا جعلت الضمير للمنافقين على أن الآية فذلكة التمثيل ونتيجته ، وإن جعلته للمستوقدين ، فهي على حقيقتها . والمعنى : أنهم لما أوقدوا نارا فذهب الله بنورهم ، وتركهم في ظلمات هائلة أدهشتهم بحيث اختلت حواسهم وانتقصت قواهم . وثلاثتها قرئت بالنصب على الحال من مفعول تركهم . والصمم : أصله صلابة من اكتناز الأجزاء ، ومنه قيل حجر أصم وقناة صماء ، وصمام القارورة ، سمي به فقدان حاسة السمع لأن سببه أن يكون باطن الصماخ مكتنزا لا تجويف فيه ، فيشتمل على هواء يسمع الصوت بتموجه والبكم الخرس . والعمى : عدم البصر عما من شأنه أن يبصر وقد يقال لعدم البصيرة .

{ فهم لا يرجعون } لا يعودون إلى الهدى الذي باعوه وضيعوه . أو عن الضلالة التي اشتروها ، أو فهم متحيرون لا يدرون أيتقدمون أم يتأخرون ، وإلى حيث ابتدأوا منه كيف يرجعون ، والفاء للدلالة على أن اتصافهم بالأحكام السابقة سبب لتحيرهم واحتباسهم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{صُمُّۢ بُكۡمٌ عُمۡيٞ فَهُمۡ لَا يَرۡجِعُونَ} (18)

صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ ( 18 )

والأصم الذي لا يسمع ، والأبكم الذي لا ينطق ولا يفهم ، فإذا فهم فهو الأخرس ، وقيل الأبكم والأخرس واحد ، ووصفهم بهذه الصفات إذ أعمالهم من الخطأ وقلة الإجابة كأعمال من هذه صفته ، وصم رفع على خبر ابتداء فإما أن يكون ذلك على تقدير تكرار أولئك ، وإما على إضمار هم .

وقرأ عبد الله بن مسعود وحفصة أم المؤمنين رضي الله عنهما . «صماً ، بكماً ، عمياً » بالنصب ، ونصبه على الحال من الضمير في { مهتدين } ، وقيل هو نصب على الذم ، وفيه ضعف( {[299]} ) ، وأما من جعل الضمير في «نورهم » للمنافقين لا للمستوقدين فنصب هذه الصفات على قوله على الحال من الضمير في { تركهم } .

قال بعض المفسرين قوله تعالى { فهم لا يرجعون } إخبار منه تعالى أنهم لا يؤمنون بوجه .

قال القاضي أبو محمد : وإنما كان يصح هذا إن لو كانت الآية في معينين ، وقال غيره : معناه { فهم لا يرجعون } ما داموا على الحال التي وصفهم بها ، وهذا هو الصحيح ، لأن الآية لم تعين ، وكلهم معرض للرجوع مدعو إليه .

قوله عز وجل( {[300]} ) :


[299]:- وجهه: أن النصب على الذم إنما يكون حيث يذكر الاسم السابق فتعدل عن المطابقة في الإعراب إلى القطع، وها هنا لم يتقدم اسم سابق تكون هذه الأوصاف موافقة له في الإعراب فتقطع، فمن أجل هذا ضعف النصب على الذم. قال أبو (ح).
[300]:- هذا مثل آخر، ضربه الله تعالى لنوع آخر من المنافقين، وهم قوم يترددون بين الحق والباطل، تارة يظهر لهم الحق، وتارة يشكون فيه، فمثلهم في حال الشك والكفر والتردد كمثل صيب من السماء، والصيب المطر على المشهور- وذلك أن الناس أقسام – مؤمنون خلَّص، وهم الموصوفون بالآيات الأربع في أول البقرة – وكفار خلص، وهم المذكورون في الآيتين بعد الآيات الأربع – ومنافقون، وهم قسمان: مصرون، وهم أصحاب المثل الناري – ومترددون تارة يظهر لهم الإيمان وتارة يخبو عنهم، وهم أصحاب المثل المائي وهم أخس حالات من الذين قبلهم، وهذا المقام يشبه في الجملة ما ذكر في سورة النور من ضرب مثل المؤمن، وما جعل الله في قلبه من الهدى و النور –بالمصباح في الزجاجة التي كأنها كوكب دري، وهي قلب المؤمن المفطور على الإيمان المستمد من الشريعة الخالصة الصافية الواصلة إليه من غير كدر ولا تخليط، ثم ضرب مثل الكفار الذين يعتقدون أنهم على شيء وليسوا على شيءن وهم أصحاب الجهل المركب، في قوله تعالى: [والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا] الآية، ثم ضرب مثل الكفار الذين يجهلون جهلا بسيطا، وهم الذين قال الله فيهم: [أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج] الآية، فقسم الكفار إلى فسمين: داعية ومقلدة، وقد قسم الله المؤمنين أيضا كما في سورة الواقعة وسورة الإنسان إلى قسمين: سابقين وهم المقربون – وأصحاب يمين وهم الأبرار. ويتلخص من مجموع الآيات الكريمات أن المؤمنين: مقربون وأبرار، وأن الكافرين دعاة ومقلدون- وأن المنافقين صنفان: منافق خالص، ومنافق فيه شعبة من النفاق، كما جاء في الصحيحين عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم (ثلاث من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه واحدة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعهان من إذا حدث كذب وإذا وعد أخلفن وإذا اؤتمن خان). واستدلوا بهذا على أن الإنسان قد يكون فيه شعبة من الإيمان، وشعبة من نفاق، إما عملي كهذا الحديث وإما اعتقادي كما تدل عليه آيات سورة البقرة وغيرها. والله أعلم.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{صُمُّۢ بُكۡمٌ عُمۡيٞ فَهُمۡ لَا يَرۡجِعُونَ} (18)

أخبار لمبتدأ محذوف هو ضميرٌ يعود إلى ما عاد إليه ضمير { مَثَلُهم } [ البقرة : 17 ] ولا يصح أن يكون عائداً على { الذي استوقد } [ البقرة : 17 ] لأنه لا يلتئم به أول التشبيه وآخرُه لأن قوله : { كمثل الذي استوقد ناراً } يقتضي أن المستوقد ذو بصر وإلا لمَا تأتى منه الاستيقاد ، وحذف المسند إليه في هذا المقام استعمال شائع عند العرب إذا ذكروا موصوفاً بأوصاف أو أخبار جعلوه كأنه قد عُرِف للسامع فيقولون : فلان أو فتىً أو رجلٌ أو نحو ذلك على تقدير هو فلان ، ومنه قوله تعالى : { جزاءً من ربك عطاءً حساباً ربُّ السماوات والأرض وما بينهما } [ النبأ : 36 ، 37 ] التقدير هو رب السماوات عُدل عن جعل ( رب ) بدلاً من ربك ، وقول الحماسي{[88]} :

سأشكر عَمرا إن تراختْ منيتـــي *** أياديَ لم تُمْنَنْ وإنْ هيَ جَلَّــتِ

فتىً غيرُ محجوببِ الغِنى عن صديقه *** ولا مُظْهر الشكوى إذا النعل زلت

وسمى السكاكي هذا الحذف « الحذفَ الذي اتبع فيه الاستعمال الوارد على تركه » . والإخبار عنهم بهذه الأخبار جاء على طريقة التشبيه البليغ شبهوا في انعدام آثار الإحساس منهم بالصم البكم العمي أي كل واحد منهم اجتمعت له الصفات الثلاث وذلك شأن الأخبار الواردة بصيغة الجمع بعد مبتدأ هو اسم دال على جمع ، فالمعنى كل واحد منهم كالأصم الأبكم الأعمى وليس المعنى على التوزيع فلا يفهم أن بعضهم كالأصم وبعضهم كالأبكم وبعضهم كالأعمى ، وليس هو من الاستعارة عند محققي أهل البيان . قال صاحب « الكشاف » : > ا هـ أي لأن الاستعارة تعتمد على لفظ المستعار منه أو المستعار له في جملة الاستعارة فمتى ذكرا معاً فهو تشبيه ، ولا يضر ذكر لفظ المستعار له في غير جملة الاستعارة لظهور أنه لولا العلم بالمستعار له في الكلام لما ظهرت الاستعارة ولذلك اتفقوا على أن قول ابن العميد :

قامت تظللني من الشمس *** نفسٌ أعزُّ عليّ من نفسي

قامت تظللني ومن عجب *** شمسٌ تظللني من الشمس

أن قوله شمس استعارة ولم يمنعهم من ذلك ذكر المستعار له قبل في قوله نفس أعز ، وضميرها في قوله قامت تظللني وكذا إذا لفظ المستعار غير مقصود ابتناء التشبيه عليه لم يكن مانعاً من الاستعارة كقول أبي الحسن ابن طَبَاطَبَا :

لا تعجبوا من بلى غلالته *** قد زرّ أزراره على القمر

فإن الضمير لم يذكر ليبنى عليه التشبيه بل جاء التشبيه عقبه .

والصم والبكم والعمى جمع أصم وأعمى وأبكم وهم من اتصف بالصمم والبكم والعمي ، فالصمم انعدام إحساس السمع عمن من شأنه أن يكون سميعاً ، والبكم انعدام النطق عمن من شأنه النطق ، والعمي انعدام البصر عمن من شأنه الإبصار .

وقوله : { فهم لا يرجعون } تفريع على جملة : { صم بكم عمي } لأن من اعتراه هذه الصفات انعدم منه الفهم والإفهام وتعذر طمع رجوعه إلى رشد أو صواب . والرجوع الانصراف من مكان حلول ثان إلى مكان حلول أول وهو هنا مجاز في الإقلاع عن الكفر .


[88]:- من الحماسة في باب الأضياف غير منسوب، ونسبه الشريف المرتضي في أماليه لإبراهيم بن العباس الصولي. وقيل لعبد الله بن الزبير، وقيل لمحمد بن سعيد الكاتب، وعمرو المذكور هو عمرو بن سعيد بن العاص الملقب بالأشدق.
 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{صُمُّۢ بُكۡمٌ عُمۡيٞ فَهُمۡ لَا يَرۡجِعُونَ} (18)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

ثم نعتهم، فقال سبحانه: {صم} لا يسمعون، يعني لا يعقلون، {بكم} خرس لا يتكلمون بالهدى، {عمي} فهم لا يبصرون الهدى حين ذهب الله بنورهم، يعني بإيمانهم، {فهم لا يرجعون} عن الضلالة إلى الهدى.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

إذ كان تأويل قول الله جل ثناؤه:"ذَهَبَ الله بِنُورِهِمْ وتَرَكَهُمْ في ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ" هو ما وصفنا من أن ذلك خبر من الله جل ثناؤه عما هو فاعل بالمنافقين في الاَخرة، عند هتك أستارهم، وإظهاره فضائح أسرارهم، وسلبه ضياء أنوارهم من تركهم في ظلم أهوال يوم القيامة يترددون، وفي حنادسها لا يبصرون، فبينٌ أن قوله جل ثناؤه: "صُمّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ "من المؤخر الذي معناه التقديم، وأن معنى الكلام: أولَئِكَ الّذِينَ اشْتَرُوا الضّلاَلَةَ بالهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ، صُمّ بُكْمٌ عُمْيٌ فهم لاَ يَرْجِعُونَ مَثَلُهُمْ كمَثَلِ الّذِي اسْتَوْقَدَ نَارا فَلَمّا أضَاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمُ فِي ظُلُماتٍ لا يَبْصِرُونَ، أوْ كمثل صيب من السمّاءِ.

وهذا خبر من الله جل ثناؤه عن المنافقين، أنهم باشترائهم الضلالة بالهدى، لم يكونوا للهدى والحق مهتدين، بل هم صمّ عنهما فلا يسمعونهما لغلبة خذلان الله عليهم، بُكْمٌ عن القيل بهما، فلا ينطقون بهما والبكم: الخُرْس، وهو جمع أبكم. عميٌ عن أن يبصروهما فيعقلوهما لأن الله قد طبع على قلوبهم بنفاقهم فلا يهتدون...

صمّ بُكْمٌ عُمْيٌ عن الخير... لا يسمعون الهدى، ولا يبصرونه، ولا يعقلونه...

صم عن الحق فلا يسمعونه، عمي عن الحق فلا يبصرونه، بكم عن الحق فلا ينطقون به...

وقوله: "فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ" إخبار من الله جل ثناؤه عن هؤلاء المنافقين الذين نعتهم الله باشترائهم الضلالة بالهدى، وصممهم عن سماع الخير والحق، وبكمهم عن القيل بهما، وعماهم عن إبصارهما، أنهم لا يرجعون إلى الإقلاع عن ضلالتهم، ولا يتوبون إلى الإنابة من نفاقهم، فآيس المؤمنين من أن يبصر هؤلاء رشدا، ويقولوا حقا، أو يسمعوا داعيا إلى الهدى، أو أن يذكروا فيتوبوا من ضلالتهم، كما آيس من توبة قادة كفار أهل الكتاب والمشركين وأحبارهم الذين وصفهم بأنه قد ختم على قلوبهم وعلى سمعهم وغَشّى على أبصارهم...

"فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ" أي لا يتوبون ولا يذكرون... "فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ" إلى الإسلام...

معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي 516 هـ :

{صم} أي: هم صم عن الحق لا يقبلونه، وإذا لم يقبلوا فكأنهم لم يسمعوا.

{بكم} خرس عن الحق لا يقولونه، أو أنهم لما أبطنوا خلاف ما أظهروا فكأنهم لم ينطقوا بالحق. {عمي} أي: لا بصائر لهم، ومن لا بصيرة له كمن لا بصر له.

{فهم لا يرجعون} عن الضلالة إلى الحق...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

كانت حواسهم سليمة ولكن لما سدّوا عن الإصاخة إلى الحق مسامعهم، وأبوا أن ينطقوا به ألسنتهم، وأن ينظروا ويتبصروا بعيونهم جعلوا كأنما أيفت مشاعرهم وانتقضت بناها التي بنيت عليها للإحساس والإدراك.

ومعنى {لاَ يَرْجِعُونَ} أنهم لا يعودون إلى الهدى بعد أن باعوه، أو عن الضلالة بعد أن اشتروها، تسجيلاً عليهم بالطبع، أو أراد أنهم بمنزلة المتحيرين الذين بقوا جامدين في مكانهم لا يبرحون، ولا يدرون أيتقدّمون أم يتأخرون؟ وكيف يرجعون إلى حيث ابتدأوا منه؟

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

والأصم: الذي لا يسمع، والأبكم: الذي لا ينطق ولا يفهم، فإذا فهم فهو الأخرس، وقيل الأبكم والأخرس واحد.

ووصفهم بهذه الصفات إذ أعمالهم من الخطأ وقلة الإجابة كأعمال من هذه صفته...

قال بعض المفسرين... {فهم لا يرجعون} ما داموا على الحال التي وصفهم بها، وهذا هو الصحيح، لأن الآية لم تعين، وكلهم معرض للرجوع مدعو إليه.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

...لما كان في مقام إجابة الداعي إلى الإيمان، قدم السمع لأنه العمدة في ذلك، وثنى بالقول لأنه يمكن الأصم الإفصاح عن المراد، وختم بالبصر لإمكان الاهتداء به بالإشارة.

تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :

{صم بكم عمي} أي إنهم فقدوا منفعة السمع الذي يؤدى إلى النفس ما يلقيه المرشدون إليها من الحجج القاطعة، والدلائل الناصعة، فلا يصيخون إلى وعظ واعظ، ولا يصغون لتنبيه منبه، بل لا يسمعون وإن أصاخوا، ولا يفقهون إن سمعوا، فكأنهم صم لم يسمعوا – وفقدوا منفعة الاسترشاد بالقول وطلب الحكمة من معاهدها، فلا يسألون بيانا، ولا يطلبون برهانا، وفقدوا خير منافع الأبصار، وهو نظر الاستفادة والاعتبار، فلا يرون ما يحل بهم من الفتن فينزجروا، ولا يبصرون ما تتقلب به أحوال الأمم فيعتبروا، {فهم لا يرجعون} عن ضلالتهم، ولا يخرجون من ظلماتهم، لأن من وقع في أرض فلاة في ليلة مظلمة وفقد فيها جميع حواسه لا يمكنه أن يسمع صوتا يهتدي به، ولا أن يصيح هو لينقذه من يسمعه، ولا أن يرى بارقا يؤمه ويقصده، فهو لا يرجع من تيهه، بل يظل يعمه في الظلمات، حتى يفترسه سبع ضار، أو يصل إلى شفا جرف هار، فينهار به في شر قرار {وما للظالمين من أنصار}.