الجمهورُ على رَفْعِها على أنها خبرُ مبتدأ محذوفٍ ، أي : هم صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ ، ويَجيء فيه الخلافُ المشهورُ في تعدُّدِ الخبرِ ، فَمَنْ أجازَ ذلك حَمَلَ الآيةَ عليه من غير تأويلٍ ، ومَنْ مَنَعَ ذلك قال : هذه الأخبارُ وإن تعدَّدَتْ لفظاً فهي متَّحِدَةٌ معنًى ، لأنَّ المعنى : هم غيرُ قائلين للحقِّ بسبب عَماهم وصَمَمِهم ، فيكون من باب : " هذا حُلوٌ حامِضٌ " أي مُزٌّ ، و " هو أَعْسَرُ يَسَرٌ " أي أَضْبَطُ ، وقول الشاعر :
ينامُ بإحدى مُقْلَتَيْهِ ويتَّقي *** بأخرى المَنايا فهو يَقْظانُ هاجِعُ
أي : متحرِّزٌ ، أو يقدَّر لكلِّ خبرٍ مبتدأً تقديرُه : هم صُمٌّ ، هم بُكْم ، هم عُمْي ، والمعنى على أنهم جامعون لهذه الأوصافِ الثلاثة ، ولولا ذلك لجاز أن تكونَ هذه الآيةُ من باب ما تعدَّدَ فيه الخبرُ لِتعدُّدِ المبتدأ ، نحو قولِك : الزيدونَ فقهاءُ شعراءُ كاتبون ، فإنه يَحْتمل أن يكونَ المعنى أن بعضَهم فقهاءُ ، وبعضَهم شعراء وبعضَهم كاتبون ، وأنَّهم ليسوا جامعين لهذه الأوصاف الثلاثة ، بل بعضُهم اختصَّ بالفقه ، والبعضُ الآخر بالشعرِ ، والآخرُ بالكتابة .
وقُرئ بنصبها ، وفيه ثلاثةُ أوجهٍ ، أحدها : أنه حالٌ ، وفيه قولان ، أحدُهما : هو حالٌ من الضميرِ المنصوبِ في " تَرَكَهم " ، والثاني من المرفوع في " لا يُبْصرون " . والثاني : النَصبُ على الذَمِّ ، كقولِه : { حَمَّالَةَ الْحَطَبِ }
سَقَوْني النَّسْءَ ثم تَكَنَّفوني *** عُدَاةَ اللهِ مِنْ كَذِبٍ وزُورِ
أي : أَذُمُّ عُداةَ اللهِ . الثالث : أن يكونَ منصوباً بتَرَكَ أي : تَرَكهم صُمَّاً بُكْماً عُمْياً .
والصَّمَمُ داءٌ يمنعُ من السَّماع ، وأصلُه من الصَّلابة ، يقال : " قناةٌ صَمَّاء " أي صُلبة ، وقيل : أصلُه من الانسدادِ ، ومنه : صَمَمْتُ القارورةَ أي : سَدَدْتُها . والبَكَم داءٌ يمنع الكلامَ ، وقيل : هو عدمُ الفَهْمِ ، وقيل : الأبكم مَنْ وُلِد أخرسَ .
وقولُه : { فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ } جملةٌ خبريةٌ معطوفةٌ على الجملةِ الخبريةِ قبلها ، وقيل : بل الأُولى دعاءٌ عليهم بالصَّمَم ، ولا حاجةَ إلى ذلك . وقال أبو البقاء : " وقيل : فهم لا يَرْجِعُون حالٌ ، وهو خطأٌ ، لأن الفاء تُرَتِّبُ ، والأحوالُ لا ترتيبَ فيها " . و " رَجَعَ " يكونُ قاصراً ومتعدياً باعتبَارَيْنِ ، وهُذَيْل تقول : أَرْجَعَهُ غيرُهُ فإذا كان بمعنى " عاد " كان لازماً ، وإذا كان بمعنى أعاد كان متعدياً ، والآية الكريمةُ تحتمل التقديرينِ ، فإنْ جَعَلْنَاه متعدياً فالمفعولُ محذوفٌ ، تقديرُهُ : لاَ يَرْجِعُون جواباً ، مثلُ قوله : { إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ } [ الطارق : 8 ] . وَزَعَمَ بعضُهم أنه يُضَمَّن معنى صار ، فيرفعُ الاسم وينصِبُ الخبر ، وجَعَل منه قولَه عليه السلام : " لا تَرْجِعوا بعدي كُفَّاراً يضربُ بعضُكم رِقابَ بعض " ، ومَنْ مَنَعَ جريانِهِ مَجْرى " صار " جَعَلَ المنصوبَ حالاً .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.