بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{صُمُّۢ بُكۡمٌ عُمۡيٞ فَهُمۡ لَا يَرۡجِعُونَ} (18)

ثم قال تعالى : { صُمٌّ بُكْمٌ عُمْىٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ } وفي قراءة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه «صُمّاً بُكْمّاً عُمْياً » ، وإنما جعلها نصباً لوقوع الفعل عليها ، يعني وتركهم صماً بكماً عمياً . وقرأ غيره : { صُمٌّ بُكْمٌ عُمْىٌ } ومعناه هم { صُمٌّ بُكْمٌ عُمْىٌ } . وتفسير الآية أنهم يتصاممون ، حيث لم يسمعوا الحق ولم يتكلموا به ، ولم يبصروا العبرة والهدى ، فكأنهم صم بكم عمي ، ولأن الله تعالى خلق السمع والبصر واللسان لينتفعوا بهذه الأشياء ، فإذا لم ينتفعوا بالسمع والبصر صار كأن السمع والبصر لم يكن لهم . كما أن الله تعالى سمى الكفرة موتى حيث قال تعالى : { أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فأحييناه وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِى الناس كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظلمات لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ للكافرين مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [ الأنعام : 122 ] يعني كافراً فهديناه ؛ وإنما سماهم موتى والله أعلم لأنه لا منفعة لهم في حياتهم ، فكأن تلك الحياة لم تكن لهم ، فكذلك السمع والبصر واللسان ، إذا لم ينتفعوا بها فكأنها لم تكن لهم ، فكأنهم { صم بكم عمي فهم لا يرجعون } ، يعني لا يرجعون إلى الهدى .

وقال القتبي : معنى قوله تعالى : { وَتَرَكَهُمْ فِي ظلمات لاَّ يُبْصِرُونَ } [ البقرة : 19 ] قال : الظلمة الأولى كانت ظلمة الكفر ، استيقادهم النار قول : لا إله إلا الله ، وإذا خلوا إلى شياطينهم فنافقوا . وقالوا { وَإِذَا لَقُواْ الذين آمَنُواْ قالوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إلى شياطينهم قالوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِءُونَ } [ البقرة : 14 ] فسلبهم نور الإيمان ، { وَتَرَكَهُمْ فِي ظلمات لاَّ يُبْصِرُونَ } [ البقرة : 17 ] .