نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{صُمُّۢ بُكۡمٌ عُمۡيٞ فَهُمۡ لَا يَرۡجِعُونَ} (18)

ولما فرغ من المثل كشف المراد بظلماتهم بأنها ما في آذانهم من الثقل المانع من الانتفاع بالسماع ، وما في ألسنتهم من الخرس عن كلام الخير الناشىء عن عدم الإدراك الناشىء عن عمى{[780]} البصائر وفساد الضمائر والسرائر ، وما على أبصارهم من الغشاوة المانعة من الاعتبار وعلى بصائرهم من الأغطية المنافية للادّكار{[781]} فقال{[782]} : { صم } أي عن السماع النافع { بكم } عن النطق المفيد لأن قلوبهم مختوم عليها فلا ينبعث منها خير تقذفه{[783]} إلى الألسنة { عمي } في البصر والبصيرة عن الإبصار المرشد لما تقدم من الختم على مشاعرهم ، ولما كان في مقام إجابة الداعي إلى الإيمان قدم السمع لأنه العمدة في ذلك ، وثنى بالقول لأنه يمكن الأصم الإفصاح عن المراد ، وختم بالبصر لإمكان الاهتداء به بالإشارة ؛ وكذا ما يأتي في هذه السورة سواء بخلاف ما في الإسراء ، { فهم } أي فتسبب عن ذلك أنهم { لا } ولما كان المراد التعميم في كل رجوع لم يذكر المرجوع عنه فقال : { يرجعون{[784]} } أي عن طغيانهم وضلالهم إلى الهدى الذي باعوه ولا إلى حالهم الذي كانوا عليه ولا ينتقلون{[785]} عن حالهم هذا{[786]} أصلاً ، لأنهم كمن هذا حاله ، ومن هذا حاله لا يقدر على مفارقة موضعه بتقدم ولا تأخر


[780]:في م: علم - كذا
[781]:في م: للاذكار والادكار والاذكار كلاهما بمعنى
[782]:قال البيضاوي: لما سدوا مسامعهم عن الإصاخة إلى الحق وأبوا أن ينطقوا به ألسنتهم ويتبصروا والآيات بأبصارهم جعلوا كأنما إيفت مشاعرهم وانتفت قواهم كقوله : صم إذا سمعوا خيرا ذكرت به وإن ذكرت بسوء عندهم أذنوا. وقوله: أصم عن الشيء الذي لا أريده وأسمع خلق الله حين أريد
[783]:من م ومد وظ وفي الأصل: تقدفه – كذا بالدال المهملة
[784]:لا يعودون إلى الهدى الذي باعوه وضيعوه أو عن الضلالة التي اشتروها أو فهم يتحيرون لا يدرون أ يتقدمون أو يتأخرون وإلى حيث ابتدأوا منه كيف يرجعون والفاء للدلالة على أن اتصافهم بالأحكام السابقة سبب لتحيرهم واحتباسهم – انتهى.
[785]:من م ومد وظ، ووقع في الأصل: ينتقلون - كذا
[786]:ليس في ظ