و{ صُمٌّ } وما بعده خبر مبتدأ محذوف : أي هم . وقرأ ابن مسعود " صماً بكماً عمياً " بالنصب على الذم ، ويجوز أن ينتصب بقوله { تركهم } . والصمم : الانسداد ، يقال قناة صماء : إذا لم تكن مجوّفة ، وصممت القارورة : إذا سددتها ، وفلان أصمّ : إذا انسدت خروق مسامعه . والأبكم : الذي لا ينطق ولا يفهم ، فإذا فهم ، فهو الأخرس . وقيل الأخرس والأبكم واحد . والعمى : ذهاب البصر . والمراد بقوله : { فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ } أي : إلى الحق ، وجواب لما في قوله : { فَلَمَّا أَضَاءتْ } ، قيل هو : { ذَهَبَ الله بِنُورِهِمْ } وقيل : محذوف تقديره : طفئت فبقوا حائرين . وعلى الثاني فيكون قوله : { ذَهَبَ الله بِنُورِهِمْ } كلاماً مستأنفاً أو بدلاً من المقدر .
ضرب الله هذا المثل للمنافقين لبيان أن ما يظهرونه من الإيمان مع ما يبطنونه من النفاق لا يثبت لهم به أحكام الإسلام ، كمثل المستوقد الذي أضاءت ناره ثم طفئت ، فإنه يعود إلى الظلمة ، ولا تنفعه تلك الإضاءة اليسيرة ، فكان بقاء المستوقد في ظلمات لا يبصر كبقاء المنافق في حيرته وتردده . وإنما وصفت هذه النار بالإضاءة مع كونها نار باطل ، لأن الباطل كذلك تسطع ذوائب لهب ناره لحظة ثم تخفت . ومنه قولهم «للباطل صولة ثم يضمحلّ » وقد تقرر عند علماء البلاغة أن لضرب الأمثال شأناً عظيماً في إبراز خفيات المعاني ، ورفع أستار محجبات الدقائق ولهذا استكثر الله من ذلك في كتابه العزيز ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر من ذلك في مخاطباته ، ومواعظه .
قال ابن جرير : إن هؤلاء المضروب لهم المثل هاهنا لم يؤمنوا في وقت من الأوقات ، واحتج بقوله تعالى : { وَمِنَ الناس مَن يَقُولُ ءامَنَّا بالله وباليوم الآخر وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ } [ البقرة : 8 ] . وقال ابن كثير : إن الصواب أن هذا إخبار عنهم في حال نفاقهم وكفرهم ، وهذا لا ينفي أنه كان حصل لهم إيمان قبل ذلك ، ثم سلبوه وطبع على قلوبهم كما يفيده قوله تعالى : { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ ءامَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ على قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ } [ المنافقون : 3 ] . قال ابن جرير : وصحّ ضرب مثل الجماعة بالواحد كما قال { رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدورُ أَعْيُنُهُمْ كالذى يغشى عَلَيْهِ مِنَ الموت } [ الأحزاب : 19 ] أي : كدوران عيني الذي يغشى عليه من الموت ، وقال تعالى : { مَثَلُ الذين حُملُوا التوراة ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الحمار يَحْمِلُ أَسْفَاراً } [ الجمعة : 5 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.