تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{صُمُّۢ بُكۡمٌ عُمۡيٞ فَهُمۡ لَا يَرۡجِعُونَ} (18)

الآية 18 {[255]} وقوله عز وجل : ( صم بكم عمي فهم لا يرجعون ) يحتمل وجهين :

أحدهما : ( صم ) لأنه ختم على آذانهم وعلى سمعهم وعلى قلوبهم ، فلا يسمعون ، ولا يبصرون ، ولا يعقلون .

والثاني{[256]} : أنهم ( صم بكم عمي ) [ لما ]{[257]} لم ينتفعوا بأسماعهم وأبصارهم وقلوبهم .

ثم اختلف في جواز إضافة لفظ الاستهزاء إلى الله تعالى ؛ فأجازه قوم ، وإن كان ذلك قبيحا من الخلق ، لما قبح منهم بما لا أحد يستهزئ بأحد [ إلا بجهله أو بقبح في خلقته ، والمستهزئ مثله ، قد يحتمل ذلك بإنعام الله عليه الذي قد أغفله عنه ]{[258]} باشتغاله بما ذكر مع الإغفال عن{[259]} هذا أوحش وأقبح من حال المستهزئ به . ولذلك قال عز وجل ( لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ) الآية [ الحجرات : 11 ] ؛ وذلك نحو التكبر ، إنه قبيح من الخلق بمالهم أشكال في الحدث{[260]} وآثار الصنعة واحتمال كل منهم بما احتمل غيره .

وجائز إضافته إلى الله تعالى لتعاليه عن الأشباه والأشكال وإحاطة{[261]} احتمال ما احتمل غيره . وبه يقول حسين النجار . وأبى قوم ذلك إلا على إثر أحوال تصرف فهم السامع إلى معنى الاستهزاء ؛ نحو أن يذكر على إثر فعل له جزاء ، فيفهم منه جزاء الاستهزاء كذكر السيئة في الجزاء والمكر ونحو ذلك .

ثم يخرج ما{[262]} نحن فيه على [ وجهين :

أحدهما ]{[263]} : ما بينا .

والثاني : ما ينسب إليه فعل المأمور نحو قول المؤمنين للمنافقين في الآخرة ( ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا ) [ الحديد : 13 ] وقول أهل الجنة ودعائهم أهل النار بالخروج ، لو ثبت ما ذكره الكلبي ، وقول الملائكة ( فادعوا وما دعاء الكافرين إلا في ضلال ) [ غافر : 50 ] وغير ذلك .


[255]:- انظر حاشية الآية 20، وهي قوله تعالى: (يكاد البرق يخطف أبصارهم) [البقرة: 20] في السفحة السابقة.
[256]:- في النسخ الثلاث: ويحتمل.
[257]:- من ط م و ط ع،، ساقطة من الأصل.
[258]:- في الأصل و ط ع: إما بجهله أو بقبح في الخلقة والمستهزئ نحو هذه قد يحتمل ذلك لولا إنعام الله عليه الذي قد أغفل عنه، في ط م: إما لجهله أو لقبح في الخلقة إلا والمستهزئ نحو هذه قد يحتمل ذلك لولا إنعام الله عليه الذي أغفل عنه أو لدناءة في الخلق.
[259]:- من ط ع، في الأصل و ط م: من.
[260]:- من ط م و ط ع، في الأصل: الحديث.
[261]:- في ط م: وإحالة.
[262]:- من ط م، في الأصل و ط ع: في ما.
[263]:- في النسخ الثلاث: أوجه أحدها.