غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{صُمُّۢ بُكۡمٌ عُمۡيٞ فَهُمۡ لَا يَرۡجِعُونَ} (18)

17

ثم إنه كان من المعلوم من حالهم أنهم يسمعون وينطقون ويبصرون ، لكنهم شبهوا بمن إيفت مشاعرهم فقيل لهم : { صم بكم عمي } ، حيث سدوا عن الإصاغة إلى الحق مسامعهم ، وأبوا أن تنطق به ألسنتهم ، وأن ينظروا ويستبصروا بعيونهم . وإنما قلنا : إن ما في الآية تشبيه لا استعارة مع أن المشبه مطوي ذكره كما هو حق الاستعارة ، لأن ذلك في حكم المنطوق به وإلا بقي الخبر بلا مبتدأ . ومعنى { لا يرجعون } لا يعودون إلى الهدى بعد أن باعوه ، أو عن الضلالة بعد أن اشتروها تسجيلاً عليهم بالطبع ، أو أراد أنهم بمنزلة المتحيرين الذين لا يدرون أيتقدمون أم يتأخرون وإلى حيث ابتدؤا منه كيف يرجعون .

وقف الهوى بي حيث أنت فليس لي *** متأخر عنه ولا متقدم

ومثله حال مريد طريقة الذي له بداية ولازم خلوته وصحبته حتى شرقت له من صفات القلب شوارق الشوق ، وبرقت له من أنوار الروح بوارق الذوق ، فطرقته الهواجس وأزعجته الوساوس فيرجع القهقرى إلى ما كان من حضيض عالم الطبيعة ، فغابت شمسه وأظلمت نفسه وفضل عن يومه أمسه .