محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{صُمُّۢ بُكۡمٌ عُمۡيٞ فَهُمۡ لَا يَرۡجِعُونَ} (18)

{ صم بكم عمي فهم لا يرجعون 18 } .

{ صم بكم عمي } الصمم : آفة مانعة من السماع ، سمي به فقدان حاسة السمع ، لما أن سببه اكتناز باطن الصِّماخ ، وانسداد منافذه ، بحيث لا يكاد يدخله هواء يحصل الصوت بتموّجه . والبكم : الخرس . والعمى : عدم البصر عما من شأنه أن يُبصَر .

/ وصفوا بذلك مع سلامة حواسهم المذكورة لما أنهم سدّوا عن الإصاخة إلى الحق مسامعهم ، وأبَوْا أن ينطقوا به ألسنتهم ، وأن ينظروا ويتصّبروا بعيونهم ، فجعلوا كأنما أصيب بآفة مشاعرهم كقوله :

صم إذا سمعوا خيرا ذُكِرْتُ به *** وإن ذكرت بسوء عندهم أَذِنُوا

وكقوله :

أصم عن الشيء الذي لا أريده *** وأسمع خلق الله حين أريد

{ فهم لا يرجعون } أي بسبب اتصافهم بالصفات المذكورة لا يعودون إلى الهدى بعد أن باعوه . أو عن الضلالة بعد أن اشتروها . فالآية الكريمة تتمة للتمثيل بأن ما أصابهم ، ليس مجرد انطفاء نارهم ؛ وبقائهم في ظلمات كثيفة هائلة مع بقاء حاسة البصر بحالها بل اختلَّت مشاعرهم جميعا ، واتصفوا بتلك الصفات فبقوا جامدين في مكانهم لا يرجعون ، ولا يدرون أيتقدمون أم يتأخرون ؟ وكيف يرجعون إلى ما ابتدأوا منه .