معاني القرآن للفراء - الفراء  
{صُمُّۢ بُكۡمٌ عُمۡيٞ فَهُمۡ لَا يَرۡجِعُونَ} (18)

وقوله : { صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ }

رُفعن وأسماؤهن في أوّل الكلام منصوبة ؛ لأن الكلام تمّ وانقضت به آية ، ثمّ استؤنفت { صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ } في آية أخرى ، فكان أقوى للاستئناف ، ولو تمّ الكلام ولم تكن آية لجاز أيضا الاستئناف ؛ قال الله تبارك وتعالى : { جَزَاء مِنْ رَبِّكَ عَطَاء حِسَاباً . رَبُّ السَّمَوات وَالأَرْضِ وَما بَيْنَهُما الرَّحْمَنُِ } " الرحمن " يرفع ويخفض في الإعراب ، وليس الذي قبله بآخر آية . فأما ما جاء في رءوس الآيات مستأنفا فكثير ؛ من ذلك قول الله : { إنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ } إلى قوله : { وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } . ثم قال جل وجهه : { التَّائبُونَ الْعَابِدُونَ الْحامِدُونَ } بالرفع في قراءتنا ، وفي حرف ابن مسعود " التائبِين العابِدِين الحامِدِين " . وقال : { أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ . اللهُ رَبُّكُمْ } يُقرأ بالرفع والنصب على ما فسّرت لك .

وفي قراءة عبد الله : " صُما بُكْما عُمْياً " بالنصب . ونصبُه على جهتين ؛ إِن شئت على معنى : تركهم صما بكما عميا ، وإن شئت اكتفيت بأن توقع التَرك عليهم في الظلمات ، ثم تستأنف " صُما " بالذمّ لهم . والعرب تنصب بالذمّ وبالمدح ؛ لأن فيه مع الأسماء مثل معنى قولهم : وَيْلاً له ، وثَوَاباً له ، وبُعْداً وسَقْياً ورَعْياً .