قوله تعالى : { بل ادارك علمهم } قرأ أبو جعفر ، وابن كثير ، وأبو عمر :أدرك على وزن أفعل أي : بلغ ولحق ، كما يقال : أدركه علمي إذا لحقه وبلغه ، يريد : ما جهلوا في الدنيا وسقط علمه عنهم أعلموه في الآخرة . وقال مجاهد : يدرك علمهم ، { في الآخرة } ويعلمونها إذا عاينوها حين لا ينفعهم علمهم . قال مقاتل : بل علموا في الآخرة حين عاينوها ما شكوا وعموا عنه في الدنيا وهو قوله : { بل هم في شك منها } يعني : هم اليوم في شك من الساعة ، وقرأ الآخرون : بل ادارك موصولاً مشدداً مع ألف بعد الدال المشددة ، يعني : تدارك وتتابع علمهم في الآخرة وتلاحق . وقيل : معناه اجتمع علمهم حين عاينوها في الآخرة أنها كائنة ، وهم في شك في وقتهم ، فيكون بمعنى الأول . وقيل : هو على طريق الاستفهام ، معناه : هل تدارك وتتابع علمهم بذلك في الآخرة ؟ أي : لم يتتابع وضل وغاب علمهم به فلم يبلغوه ولم يدركوه ، لأن في الاستفهام ضرباً من الجحد يدل عليه . قراءة ابن عباس بلى بإثبات الياء ، ادراك بفتح الألف على الاستفهام ، أي : لم يدرك ، وفي حرف أبي أم تدارك علمهم ، والعرب تضع بل موضع أم وأم موضع بل . وجملة القول فيه : أن الله أخبر أنهم إذا بعثوا يوم القيامة يستوي علمهم في الآخرة وما وعدوا فيها من الثواب والعقاب ، وإن كانت علومهم مختلفة في الدنيا . وذكر علي بن عيسى أن معنى بل هاهنا : لو ومعناه : لو أدركوا في الدنيا ما أدركوا في الآخرة لم يشكوا بل هم في شك منها بل هم اليوم في الدنيا في شك من الساعة . { بل هم منها عمون } جمع عم ، وهو الأعمى القلب . قال الكلبي : يقول هم جهلة بها .
{ بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الآخِرَةِ } أي : بل ضعف ، وقل ولم يكن يقينا ، ولا علما واصلا إلى القلب وهذا أقل وأدنى درجة للعلم ضعفه ووهاؤه ، بل ليس عندهم علم قوي ولا ضعيف وإنما { هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا } أي : من الآخرة ، والشك زال به العلم لأن العلم بجميع مراتبه لا يجامع الشك ، { بَلْ هُمْ مِنْهَا } أي : من الآخرة { عَمُونَ } قد عميت عنها بصائرهم ، ولم يكن في قلوبهم من وقوعها ولا احتمال بل أنكروها واستبعدوها ، ولهذا قال : { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ } أي : هذا بعيد غير ممكن قاسوا قدرة كامل القدرة بقدرهم الضعيفة .
ثم يضرب عن هذا ليتحدث في موقفهم هم من الآخرة ، ومدى علمهم بحقيقتها :
( بل ادارك علمهم في الآخرة ) . .
فانتهى إلى حدوده ، وقصر عن الوصول إليها ، ووقف دونها لا يبلغها .
لا يستيقنون بمجيئها ، بله أن يعرفوا موعدها ، وينتظروا وقوعها .
بل هم منها في عمى ، لا يبصرون من أمرها شيئا ، ولا يدركون من طبيعتها شيئا . . وهذه أشد بعدا عن الثانية وعن الأولى :
{ بل آدارك علمهم في الآخرة } لما نفى عنهم علم الغيب وأكد ذلك بنفي شعورهم بما هو مآلهم لا محالة بالغة فيه ، بأن أضرب عنه وبين أن ما انتهى وتكامل فيه أسباب علمهم من الحجج والآيات هو أن القيامة كائنة لا محالة لا يعلمونه كما ينبغي . { بل هم في شك منها } كمن تحير في الأمر لا يجد عليه دليلا . { بل هم منها عمون } لا يدركون دلائلها لاختلال بصيرتهم ، وهذا وإن اختص بالمشركين ممن في السماوات والأرض نسب إلى جميعهم كما يسند فعل البعض إلى الكل والإضرابات الثلاث تنزيل لأحوالهم ، وقل الأول إضراب عن نفي الشعور بوقت القيامة عنهم إلى وصفهم باستحكام علمهم في أمر الآخرة تهكما بهم ، وقيل أدرك بمعنى انتهى واضمحل من قولهم أدركت الثمرة لأن تلك غايتها التي عندها تعدم وقرأ نافع وابن عامر وحمزة والكسائي وحفص " بل ادراك " بمعنى تتابع حتى استحكم ، أو تتابع حتى انقطع من تدارك بنو فلان إذا تتابعوا في الهلاك ، وأبو بكر " أدرك " وأصلهما تفاعل وافتعل . وقرئ " أأدرك " بهمزتين و " آأدرك " بألف بينهما و " بل أدرك " و " بل تدارك " و " بلى أأدرك " و " أم إدراك " أو " تدارك " ، وما فيه استفهام صريح أو مضمن من ذلك فإنكار وما فيه بلى فإثبات لشعورهم وتفسير له بالإدراك على التهكم ، وما بعده إضراب عن التفسير مبالغة في نفيه ودلالة على أن شعورهم بها أنهم شاكون فيها { بل } إنهم { منها عمون } أو رد وإنكار لشعورهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.