معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{قُلۡ يَـٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ مَنۡ ءَامَنَ تَبۡغُونَهَا عِوَجٗا وَأَنتُمۡ شُهَدَآءُۗ وَمَا ٱللَّهُ بِغَٰفِلٍ عَمَّا تَعۡمَلُونَ} (99)

قوله تعالى : { قل يا أهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله } . أي لم تصرفون عن دين الله .

قوله تعالى : { من آمن تبغونها } . تطلبونها .

قوله تعالى : { عوجاً } . زيغاً وميلاً ، يعني لم تصدون عن سبيل الله باغين لها عوجاً ؟ قال أبو عبيدة : العوج بالكسر ، في الدين والقول والعمل ، والعوج بالفتح ، الجدار ، وكل شخص قائم .

قوله تعالى : { وأنتم شهداء وما الله بغافل عما تعملون } . أن في التوراة مكتوباً نعت محمد صلى الله عليه وسلم وأن دين الله الذي لا يقبل غيره هو الإسلام .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{قُلۡ يَـٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ مَنۡ ءَامَنَ تَبۡغُونَهَا عِوَجٗا وَأَنتُمۡ شُهَدَآءُۗ وَمَا ٱللَّهُ بِغَٰفِلٍ عَمَّا تَعۡمَلُونَ} (99)

يوبخ تعالى أهل الكتاب من اليهود والنصارى على كفرهم بآيات الله التي أنزلها الله على رسله ، التي جعلها رحمة لعباده يهتدون بها إليه ، ويستدلون بها على جميع المطالب المهمة والعلوم النافعة ، فهؤلاء الكفرة جمعوا بين الكفر بها وصد من آمن بالله عنها وتحريفها وتعويجها عما جعلت له ، وهم شاهدون بذلك عالمون بأن ما فعلوه أعظم الكفر الموجب لأعظم العقوبة { الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون } فلهذا توعدهم هنا بقوله : { وما الله بغافل عما تعملون } بل محيط بأعمالكم{[160]}  ونياتكم ومكركم السيء ، فمجازيكم عليه أشر الجزاء .


[160]:- في الأصل: بأعمالهم ولعل الصواب ما أثبت.

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قُلۡ يَـٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ مَنۡ ءَامَنَ تَبۡغُونَهَا عِوَجٗا وَأَنتُمۡ شُهَدَآءُۗ وَمَا ٱللَّهُ بِغَٰفِلٍ عَمَّا تَعۡمَلُونَ} (99)

93

ويسجل الله تعالى عليهم معرفتهم بالحق الذي يكفرون به ، ويصدون الناس عنه :

( وأنتم شهداء ) . .

مما يجزم بأنهم كانوا على يقين من صدق ما يكذبون به ، ومن صلاح ما يصدون الناس عنه . وهو أمر بشع مستنكر ، لا يستحق فاعله ثقة ولا صحبة ، ولا يستأهل إلا الاحتقار والتنديد !

ولا بد من وقفة أمام وصفة تعالى لهؤلاء القوم بقوله :

( لم تصدون عن سبيل الله من آمن تبغونها عوجا . . . ؟ )

إنها لفتة ذات مغزى كبير . . إن سبيل الله هو الطريق المستقيم . وما عداه عوج غير مستقيم . وحين يصد الناس عن سبيل الله ؛ وحين يصد المؤمنون عن منهج الله ، فإن الأمور كلها تفقد استقامتها ، والموازين كلها تفقد سلامتها ، ولا يكون في الأرض إلا العوج الذي لا يستقيم .

إنه الفساد . فساد الفطرة بانحرافها . وفساد الحياة باعوجاجها . . وهذا الفساد هو حصيلة صد الناس عن سبيل الله وصد المؤمنين عن منهج الله . . وهو فساد في التصور . وفساد في الضمير . وفساد في الخلق . وفساد في السلوك . وفساد في الروابط . وفساد في المعاملات . وفساد في كل ما بين الناس بعضهم وبعض من ارتباطات . وما بينهم وبين الكون الذي يعيشون فيه من أواصر . . وإما أن يستقيم الناس على منهج الله فهي الاستقامة والصلاح والخير ، وإما أن ينحرفوا عنه إلى آية وجهه فهو العوج والفساد والشر . وليس هنالك إلا هاتان الحالتان ، تتعاوران حياة بني الإنسان : استقامة على منهج الله فهو الخير والصلاح ، وانحراف عن هذا المنهج فهو الشر والفساد !

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قُلۡ يَـٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ مَنۡ ءَامَنَ تَبۡغُونَهَا عِوَجٗا وَأَنتُمۡ شُهَدَآءُۗ وَمَا ٱللَّهُ بِغَٰفِلٍ عَمَّا تَعۡمَلُونَ} (99)

هذا تعنيف من الله تعالى لكَفَرة أهل الكتاب ، على عنادهم للحق ، وكفرهم بآيات الله ، وصَدِّهم عن سبيله مَنْ أراده من أهل الإيمان بجهدهم وطاقتهم{[5412]} مع علمهم بأن ما جاء به الرسول حق من الله ، بما عندهم من العلم عن الأنبياء الأقدمين ، والسادة المرسلين ، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، وما بَشَّروا به ونوَّهُوا ، من ذِكْر النبي [ صلى الله عليه وسلم ]{[5413]} الأميّ الهاشمي العربي المكّيّ ، سيد ولد آدم ، وخاتم الأنبياء ، ورسول رب الأرض والسماء . وقد توعدهم [ الله ]{[5414]} تعالى على ذلك بأنه شهيد على صَنِيعهم ذلك بما خالفوا ما بأيديهم عن الأنبياء ، ومقاتلتهم{[5415]} الرسول المُبشر بالتكذيب والجحود والعناد ، وأخبر تعالى أنه ليس بغافل عما يعملون ، أي : وسيجزيهم على ذلك يوم لا ينفعهم مال ولا بنون .


[5412]:في جـ، أ: "طاعتهم".
[5413]:زيادة من أ.
[5414]:زيادة من أ.
[5415]:في جـ، ر، أ، و: "ومقابلتهم".

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قُلۡ يَـٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ مَنۡ ءَامَنَ تَبۡغُونَهَا عِوَجٗا وَأَنتُمۡ شُهَدَآءُۗ وَمَا ٱللَّهُ بِغَٰفِلٍ عَمَّا تَعۡمَلُونَ} (99)

وقوله : { قل يا أهل الكتاب لم تصدون } توبيخ ثان وإنكار على مجادلتهم لإضلالهم المؤمنين بعد أن أنكر عليهم ضلالهم في نفوسهم ، وفُصِل بلا عطف للدلالة على استقلاله بالقصد ، ولو عطف لصحّ العطف .

والصدّ يستعمل قاصراً ومتعدّياً : يقال صدّه عن كذا فصدّ عنه . وقاصرُه بمعنى الإعراض . فمتعدّيه بمعنى جعل المصدود مُعرضاً أي صَرْفُه ، ويقال : أصدّه عن كذا ، وهو ظاهر .

وسبيل الله مجاز في الأقوال والأدلّة الموصلة إلى الدّين الحقّ . والمراد بالصدّ عن سبيل الله إمّا محاولة إرجاع المؤمنين إلى الكفر بإلقاء التشكيك عليهم . وهذا المعنى يلاقي معنى الكفر في قوله : { لم تكفرون بآيات الله } على وجهيه الراجعين للمعنى الشَّرعي . وإمّا صدّ النّاس عن الحجّ أي صدّ أتباعهم عن حجّ الكعبة ، وترغيبهم في حجّ بيت المقدس ، بتفضيله على الكعبة ، وهذا يلاقي الكفر بمعناه اللُّغوي المتقدّم ، ويجوز أن يكون إشارة إلى إنكراهم القبلة في قولهم { وما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها } [ البقرة : 142 ] لأنّ المقصود به صدّ المؤمنين عن استقبال الكعبة .

وقوله : { تبغونها عوجاً } أي تبغون السبيل فأنّث ضميره لأنّ السّبيل يذكّر ويؤنث : قال تعالى : { قل هذه سبيلي } [ يوسف : 108 ] . والبغي الطلب أي تطلبون . والعوج بكسر العين وفتح الواو ضدّ الاستقامة وهو اسم مصدر عَوِج كفَرح ، ومصدره العَوَج كالفرح . وقد خصّ الاستعمال غالباً المصدر بالاعوجاج في الأشياء المحسوسة ، كالحائط والقناة . وخصّ إطلاق اسم المصدر بالاعوجاج الّذي لا يشاهد كاعْوجاج الأرض والسطح ، وبالمعنويات كالدِّين .

ومعنى { تبغونها عوجاً } يجوز أن يكون عوجاً باقياً على معنى المصدرية ، فيكون { عوجاً } مفعول { تبغونها } ، ويكون ضمير النصب في تبغونها على نزع الخافض كما قالوا : شكرتك وبعتُك كذا : أي شكرت لك وبعتُ لك ، والتقدير : وتبغون لها عوجاً ، أي تتطلبون نسبة العوج إليها ، وتصوّرونها باطلة زائغة .

ويجوز أن يكون عوجاً ، وصفاً للسبيل على طريقة الوصف بالمصدر للمبالغة ، أي تبْغونها عوجاء شديدة العوج فيكون ضمير النصب في { تبغونها } مفعول { تبغون } ، ويكون عوجاً حالاً من ضمير النَّصب أي ترومُونها معوجَّة أي تبغون سبيلاً معوجّة وهي سبيل الشرك .

والمعنى : تصدّون عن السَّبيل المستقيم وتريدون السَّبيل المعوجّ ففي ضمير { تبغونها } استخدام لأنّ سبيل الله المصدود عنها هي الإسلام ، والسّبيل الَّتي يريدونها هي ما هم عليه من الدّين بعد نسخه وتحريفه .

وقوله : { وأنتم شهداء } حال أيضاً توازن الحال في قوله قبلها { والله شهيد على ما تعملون } ومعناه وأنتم عالمون أنّها سبيل الله . وقد أحالهم في هذا الكلام على ما في ضمائرهم مِمَّا لا يعلمه إلاّ الله لأنّ ذلك هو المقصود من وخز قلوبهم ، وانثنائهم باللائمة على أنفسهم ، ولذلك عقّبه بقوله : { وما الله بغافل عما تعملون } وهو وعيد وتهديد وتذكير لأنَّهم يعلمون أنّ الله يعلم ما تخفي الصدور وهو بمعنى قوله في موعظتهم السابقة { والله شهيد على ما تعملون } إلاّ أنّ هذا أغلظ في التَّوبيخ لما فيه من إبطال اعتقاد غفلته سبحانه ، لأنّ حالهم كانت بمنزلة حال من يعتقد ذلك .