في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب  
{قُلۡ يَـٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ مَنۡ ءَامَنَ تَبۡغُونَهَا عِوَجٗا وَأَنتُمۡ شُهَدَآءُۗ وَمَا ٱللَّهُ بِغَٰفِلٍ عَمَّا تَعۡمَلُونَ} (99)

93

ويسجل الله تعالى عليهم معرفتهم بالحق الذي يكفرون به ، ويصدون الناس عنه :

( وأنتم شهداء ) . .

مما يجزم بأنهم كانوا على يقين من صدق ما يكذبون به ، ومن صلاح ما يصدون الناس عنه . وهو أمر بشع مستنكر ، لا يستحق فاعله ثقة ولا صحبة ، ولا يستأهل إلا الاحتقار والتنديد !

ولا بد من وقفة أمام وصفة تعالى لهؤلاء القوم بقوله :

( لم تصدون عن سبيل الله من آمن تبغونها عوجا . . . ؟ )

إنها لفتة ذات مغزى كبير . . إن سبيل الله هو الطريق المستقيم . وما عداه عوج غير مستقيم . وحين يصد الناس عن سبيل الله ؛ وحين يصد المؤمنون عن منهج الله ، فإن الأمور كلها تفقد استقامتها ، والموازين كلها تفقد سلامتها ، ولا يكون في الأرض إلا العوج الذي لا يستقيم .

إنه الفساد . فساد الفطرة بانحرافها . وفساد الحياة باعوجاجها . . وهذا الفساد هو حصيلة صد الناس عن سبيل الله وصد المؤمنين عن منهج الله . . وهو فساد في التصور . وفساد في الضمير . وفساد في الخلق . وفساد في السلوك . وفساد في الروابط . وفساد في المعاملات . وفساد في كل ما بين الناس بعضهم وبعض من ارتباطات . وما بينهم وبين الكون الذي يعيشون فيه من أواصر . . وإما أن يستقيم الناس على منهج الله فهي الاستقامة والصلاح والخير ، وإما أن ينحرفوا عنه إلى آية وجهه فهو العوج والفساد والشر . وليس هنالك إلا هاتان الحالتان ، تتعاوران حياة بني الإنسان : استقامة على منهج الله فهو الخير والصلاح ، وانحراف عن هذا المنهج فهو الشر والفساد !