معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبۡ لَنَا مِنۡ أَزۡوَٰجِنَا وَذُرِّيَّـٰتِنَا قُرَّةَ أَعۡيُنٖ وَٱجۡعَلۡنَا لِلۡمُتَّقِينَ إِمَامًا} (74)

قوله تعالى : { والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا } قرأ بغير ألف : أبو عمرو ، وحمزة ، والكسائي ، وأبو بكر . وقرأ الباقون بالألف على الجمع ، { قرة أعين } يعني : أولاداً أبراراً أتقياء ، يقولون اجعلهم صالحين فتقر أعيننا بذلك . قال القرظي : ليس شيء أقر لعين المؤمن من أن يرى زوجته وأولاده مطيعين لله عز وجل . وقاله الحسن ، ووحد القرة لأنها مصدر ، وأصلها من البرد ، لأن العرب تتأذى من الحر وتستروح إلى البرد ، وتذكر قرة العين عند السرور ، وسخنة العين عند الحزن ، ويقال : دمع العين عند السرور بارد ، وعند الحزن حار . وقال الأزهري : معنى قرة الأعين : أن يصادف قلبه من يرضاه ، فتقر عينه به عن النظر إلى غيره . { واجعلنا للمتقين إماماً } يعني : أئمة يقتدون في الخير بنا ، ولم يقل : أئمة ، كقوله تعالى : { إنا رسول رب العالمين } وقيل : أراد أئمة كقوله : { فإنهم عدو لي } يعني : أعداء ، ويقال : أميرنا هؤلاء ، أي : أمراؤنا . وقيل : لأنه مصدر كالصيام والقيام ، يقال : أم إماماً ، كما يقال : قام قياماً ، وصام صياماً . قال الحسن : نقتدي بالمتقين ويقتدي بنا المتقون . وقال ابن عباس : اجعلنا أئمة هداة ، كما قال : { وجعلناهم أئمة يهتدون بأمرنا } ولا تجعلنا أئمة ضلالة كما قال : { وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار } وقيل : هذا من المقلوب ، يعني : واجعل المتقين لنا إماماً ، واجعلنا مؤتمين مقتدين بهم ، وهو قول مجاهد .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبۡ لَنَا مِنۡ أَزۡوَٰجِنَا وَذُرِّيَّـٰتِنَا قُرَّةَ أَعۡيُنٖ وَٱجۡعَلۡنَا لِلۡمُتَّقِينَ إِمَامًا} (74)

{ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا } أي : قرنائنا من أصحاب وأقران وزوجات ، { وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ } أي : تقر بهم أعيننا .

وإذا استقرأنا حالهم وصفاتهم عرفنا من هممهم وعلو مرتبتهم أنهم لا تقر أعينهم حتى يروهم مطيعين لربهم عالمين عاملين وهذا كما أنه دعاء لأزواجهم وذرياتهم في صلاحهم فإنه دعاء لأنفسهم لأن نفعه يعود عليهم ولهذا جعلوا ذلك هبة لهم فقالوا : { هَبْ لَنَا } بل دعاؤهم يعود إلى نفع عموم المسلمين لأن بصلاح من ذكر يكون سببا لصلاح كثير ممن يتعلق بهم وينتفع بهم .

{ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا } أي : أوصلنا يا ربنا إلى هذه الدرجة العالية ، درجة الصديقين والكمل من عباد الله الصالحين وهي درجة الإمامة في الدين وأن يكونوا قدوة للمتقين في أقوالهم وأفعالهم يقتدى بأفعالهم ، ويطمئن لأقوالهم ويسير أهل الخير خلفهم فيهدون ويهتدون .

ومن المعلوم أن الدعاء ببلوغ شيء دعاء بما لا يتم إلا به ، وهذه الدرجة -درجة الإمامة في الدين- لا تتم إلا بالصبر واليقين كما قال تعالى : { وَجَعَلْنَاهم أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ } فهذا الدعاء يستلزم من الأعمال والصبر على طاعة الله وعن معصيته وأقداره المؤلمة ومن العلم التام الذي يوصل صاحبه إلى درجة اليقين ، خيرا كثيرا وعطاء جزيلا وأن يكونوا في أعلى ما يمكن من درجات الخلق بعد الرسل .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبۡ لَنَا مِنۡ أَزۡوَٰجِنَا وَذُرِّيَّـٰتِنَا قُرَّةَ أَعۡيُنٖ وَٱجۡعَلۡنَا لِلۡمُتَّقِينَ إِمَامًا} (74)

63

وأخيرا فإن عباد الرحمن لا يكفيهم أنهم يبيتون لربهم سجدا وقياما ؛ وأنهم يتسمون بتلك السمات العظيمة كلها ، بل يرجون أن تعقبهم ذرية تسير على نهجهم ، وأن تكون لهم أزواج من نوعهم ؛ فتقر بهم عيونهم ، وتطمئن بهم قلوبهم ، ويتضاعف بهم عدد ( عباد الرحمن )ويرجون أن يجعل الله منهم قدوة طيبة للذين يتقون الله ويخافونه :

( والذين يقولون : ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين ، واجعلنا للمتقين إماما ) . .

وهذا هو الشعور الفطري الإيماني العميق : شعور الرغبة في مضاعفة السالكين في الدرب إلى الله . وفي أولهم الذرية والأزواج ، فهم أقرب الناس تبعة وهم أول أمانة يسأل عنها الرجال . والرغبة كذلك في أن يحس المؤمن أنه قدوة للخير ، يأتم به الراغبون في الله . وليس في هذا من أثرة ولا استعلاء فالركب كله في الطريق إلى الله .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبۡ لَنَا مِنۡ أَزۡوَٰجِنَا وَذُرِّيَّـٰتِنَا قُرَّةَ أَعۡيُنٖ وَٱجۡعَلۡنَا لِلۡمُتَّقِينَ إِمَامًا} (74)

وقوله : { وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ } يعني : الذين يسألون الله أن يخرج من أصلابهم وذرياتهم من يطيعه ويعبده وحده لا شريك له .

قال ابن عباس : يعنون من يعمل بالطاعة ، فتقرُّ به أعينهم في الدنيا والآخرة .

وقال عكرمة : لم يريدوا بذلك صباحة ولا جمالا ولكن أرادوا أن يكونوا مطيعين .

وقال الحسن البصري - وسئل عن هذه الآية - فقال : أن يُري الله العبد المسلم من زوجته ، ومن أخيه ، ومن حميمه طاعة الله . لا والله ما شيء أقر لعين المسلم من أن يرى ولدا ، أو ولد ولد ، أو أخا ، أو حميما مطيعا لله عز وجل .

وقال ابن جُرَيْج في قوله : { هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ } قال : يعبدونك ويحسنون{[21672]} عبادتك ، ولا يجرون علينا الجرائر .

وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : يعني : يسألون الله لأزواجهم وذرياتهم أن يهديهم للإسلام .

وقال الإمام أحمد : حدثنا يَعْمَر{[21673]} بن بشر{[21674]} حدثنا عبد الله بن المبارك ، أخبرنا صفوان بن عمرو ، حدثني عبد الرحمن بن جبير بن نفير ، عن أبيه قال : جلسنا إلى المقداد بن الأسود يومًا ، فمر به رجل فقال : طوبى لهاتين العينين اللتين رأتا رسول الله صلى الله عليه وسلم ! لوددنا أنا رأينا ما رأيت ، وشهدنا ما شهدت . فاستغضب ، فجعلت أعجبُ ، ما قال إلا خيرًا ! ثم أقبل إليه فقال : ما يحمل الرجل على أن يتمنى مَحْضَرًا غيبه الله عنه ، لا يدري لو شهده كيف كان يكون فيه ؟ والله لقد حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم أقوام أكبَّهم الله على مناخرهم في جهنم ، لم يجيبوه ولم يصدقوه ، أو لا تحمدون الله إذ أخرجكم لا تعرفون إلا ربكم مصدقين لما جاء به نبيكم ، قد{[21675]} كُفيتم البلاء بغيركم ؟ لقد بعث الله النبي صلى الله عليه وسلم على أشد حال بعث عليها نبيًا من الأنبياء في فترة من جاهلية ، ما يرون أن دينا أفضل من عبادة الأوثان . فجاء بفُرقان فَرَقَ به بين الحق والباطل ، وفَرَقَ بين الوالد وولده ، حتى إن كان الرجل ليرى والده وولده ، أو أخاه كافرًا ، وقد فتح الله قُفْل قلبه للإيمان ، يعلم أنه إن هلك دخل النار ، فلا تقر عينه وهو يعلم أن حبيبه في النار ، وإنها التي قال الله تعالى : { وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ } . وهذا إسناد صحيح ، ولم يخرجوه{[21676]} .

وقوله : { وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا } قال ابن عباس ، والحسن ، وقتادة ، والسدي ، والربيع بن أنس : أئمة يقتدى بنا في الخير .

وقال غيرهم : هداة مهتدين{[21677]} [ ودعاة ]{[21678]} إلى الخير ، فأحبوا أن تكون عبادتهم متصلة بعبادة أولادهم وذرياتهم{[21679]} وأن يكون هداهم متعديًا{[21680]} إلى غيرهم بالنفع ، وذلك أكثر{[21681]} ثوابًا ، وأحسن مآبًا ؛ ولهذا ورد في صحيح مسلم ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : ولد صالح يدعو له ، أو علم ينتفع به من بعده ، أو صدقة جارية " {[21682]} .


[21672]:- في أ : "فيحسنون".
[21673]:- في هـ ، ف ، أ : "معمر" والمثبت من المسند.
[21674]:- في أ : "بشير".
[21675]:- في ف ، أ : "وقد".
[21676]:- المسند (6/2).
[21677]:- في أ : "مهديين".
[21678]:- زيادة من أ.
[21679]:- في أ : "ذراريهم".
[21680]:- في أ : "متعد".
[21681]:- في أ : "أكبر".
[21682]:- صحيح مسلم برقم (1631).
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبۡ لَنَا مِنۡ أَزۡوَٰجِنَا وَذُرِّيَّـٰتِنَا قُرَّةَ أَعۡيُنٖ وَٱجۡعَلۡنَا لِلۡمُتَّقِينَ إِمَامًا} (74)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَالّذِينَ يَقُولُونَ رَبّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرّيّاتِنَا قُرّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتّقِينَ إِمَاماً } .

يقول تعالى ذكره : والذين يرغبون إلى الله في دعائهم ومسألتهم بأن يقولوا : رَبّنا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرّيّاتِنَا ما تقرّ به أعيننا من أن تريناهم يعملون بطاعتك . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله هَبْ لَنا مِنْ أزْوَاجِنا وَذُرّيّاتِنا قُرّةَ أعْيُنٍ يعنون : من يعمل لك بالطاعة ، فتقرّ بهم أعيننا في الدنيا والاَخرة .

حدثني أحمد بن المقدام ، قال : حدثنا حزم ، قال : سمعت كثيرا سأل الحسن ، قال : يا أبا سعيد ، قول الله هَبْ لَنا مِن أزْوَاجِنا وَذُرّيّاتِنا قُرّةَ أعْيُنٍ في الدنيا والاَخرة ، قال : لا بل في الدنيا ، قال : وما ذاك ؟ قال : المؤمن يرى زوجته وولده يطيعون الله .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا المعتمر بن سليمان ، عن أبيه ، قال : قرأ حضرمي : رَبّنا هَبْ لَنا مِنْ أزْوَاجنا وَذُرّيّاتِنا قُرّةَ أعْيُنٍ قال : وإنما قرّة أعينهم أن يروهم يعملون بطاعة الله .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا ابن المبارك ، عن ابن جُرَيج فيما قرأنا عليه في قوله : هَبْ لَنا مِنْ أزْوَاجِنا وَذُرّيّاتِنا قُرّةَ أعْيُنٍ قال : يعبدونك فيحسنون عبادتك ، ولا يجرون الجرائر .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، قال : قال ابن جُرَيج ، قوله رَبّنا هَبْ لَنا مِنْ أزْوَاجِنا وَذُرّيّاتِنا قُرّةَ أعْيُنٍ قال : يعبدونك يحسنون عبادتك ، ولا يجرّون علينا الجرائر .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله وَالّذِينَ يَقُولُونَ رَبّنا هَبْ لَنا مِنْ أزْوَاجِنا وَذُرّيّاتِنا قُرّةَ أعْيُنٍ قال : يسألون الله لأزواجهم وذرياتهم أن يهديهم للإسلام .

حدثنا محمد بن عون ، قال : حدثنا محمد بن إسماعيل بن عياش ، قال : ثني أبي ، عن صفوان بن عمرو ، عن عبد الرحمن بن جُبير بن نُفَير ، عن أبيه ، قال : جلسنا إلى المقداد بن الأسود ، فقال : لقد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم على أشدّ حالة بُعث عليها نبيّ من الأنبياء في فترة وجاهلية ، ما يرون دينا أفضل من عبادة الأوثان ، فجاء بفرقان فَرَق به بين الحقّ والباطل ، وفَرّق بين الوالد وولده ، حتى إنْ كان الرجل ليرى ولده ووالده وأخاه كافرا وقد فتح الله قفل قلبه بالإسلام ، فيعلم أنه إن مات دخل النار ، فلا تقرّ عينه ، وهو يعلم أن حبيبه في النار ، وإنها للتي قال الله : وَالّذِينَ يَقُولُونَ رَبّنا هَبْ لَنا مِنْ أزْوَاجِنا وَذُرّيّاتِنا قُرّةَ أعْيُنٍ . . . الاَية .

حدثني ابن عون ، قال : ثني عليّ بن الحسن العسقلانيّ ، عن عبد الله بن المبارك ، عن صفوان ، عن عبد الرحمن بن جُبير بن نُفَير ، عن أبيه ، عن المقداد ، نحوه .

وقيل : هب لنا قرّة أعين ، وقد ذكر الأزواج والذريات وهم جمع ، وقوله : قُرّة أعْيُنٍ واحدة ، لأن قوله : قرّة أعين مصدر من قول القائل : قرّت عينك قرّة ، والمصدر لا تكاد العرب تجمعه .

وقوله : وَاجْعَلْنا للْمُتّقِينَ إماما اختلف أهل التأويل في تأويله ، فقال بعضهم : معناه : اجعلنا أثمة يَقتَدِي بنا من بعدنا . ذكر من قال ذلك :

حدثني ابن عبد الأعلى بن واصل ، قال : ثني عون بن سلام ، قال : أخبرنا بشر بن عمارة عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس ، في قوله : وَاجْعَلْنا للمْتّقِينَ إماما يقول : أئمة يُقتدى بنا .

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله وَاجْعَلْنا للْمُتّقِينَ إماما أثمة التقوى ولأهله يقتدى بنا . قال ابن زيد : كما قال لإبراهيم : إني جاعِلُكَ للنّاس إماما .

وقال آخرون : بل معناه : واجعلنا للمتقين إماما : نأتمّ بهم ، ويأتمّ بنا من بعدنا . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا مؤمل ، قال : حدثنا ابن عيينة ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : وَاجْعَلْنا للْمُتّقِين إماما قال : أئمة نقتدي بمن قبلنا ، ونكون أئمة لمن بعدنا .

حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا ابن عيينة ، عن أبن أبي نجيح ، عن مجاهد وَاجْعَلْنا للمُتّقِينَ إماما قال : اجعلنا مؤتمين بهم ، مقتدين بهم .

قال أبو جعفر : وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال : معناه : واجعلنا للمتقين الذين يتقون معاصيك ، ويخافون عقابك إماما يأتمون بنا في الخيرات ، لأنهم إنما سألوا ربهم أن يجعلهم للمتقين أئمة ، ولم يسألوه أن يجعل المتقين لهم إماما ، وقال وَاجْعَلْنا للْمُتّقِينَ إماما ولم يقل أئمة . وقد قالوا : واجعلنا وهم جماعة ، لأن الإمام مصدر من قول القائل : أمّ فلان فلانا إماما ، كما يقال : قام فلان قياما ، وصام يوم كذا صياما . ومن جمع الإمام أئمة ، جعل الإمام اسما ، كما يقال : أصحاب محمد إمام ، وأئمة للناس . فمن وحّد قال : يأتمّ بهم الناس . وهذا القول الذي قلناه في ذلك قول بعض نحويّي أهل الكوفة . وقال بعض أهل البصرة من أهل العربية : الإمام في قوله : للْمُتّقِينَ إماما جماعة ، كما تقول : كلهم عُدُول . قال : ويكون على الحكاية ، كما يقول القائل إذا قيل له : من أميركم : هؤلاء أميرنا . واستشهد لذلك بقول الشاعر :

يا عاذِلاتي لا تُرِدْنَ مَلامَتِي *** إنّ العَوَاذلَ لَسْنَ لي بأمِيرِ