الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{وَٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبۡ لَنَا مِنۡ أَزۡوَٰجِنَا وَذُرِّيَّـٰتِنَا قُرَّةَ أَعۡيُنٖ وَٱجۡعَلۡنَا لِلۡمُتَّقِينَ إِمَامًا} (74)

قرىء : ذريتنا و«ذرياتنا » و«قرة أعين » ، و «قرّات أعين » . سألوا ربهم أن يرزقهم أزواجاً وأعقاباً عمالاً لله ، يسرون بمكانهم ، وتقرّ بهم عيونهم . وعن محمد بن كعب : ليس شيء أقرّ لعين المؤمن من أن يرى زوجته وأولاده مطيعين لله . وعن ابن عباس رضي الله عنهما : هو الولد إذا رآه يكتب الفقه . وقيل : سألوا أن يلحق الله بهم أزواجهم وذريتهم في الجنة ليتم لهم سرورهم [ واجعلنا للمتقين إماماً ] . أراد : أئمة ، فاكتفى بالواحد لدلالته على الجنس ولعدم اللبس ، كقوله تعالى : { ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً } [ غافر : 67 ] أو أرادوا اجعل كل واحد منا إماماً . أو أراد جمع آمّ ، كصائم وصيام . أو أرادوا اجعلنا إماماً واحداً لاتحادنا واتفاق كلمتنا . وعن بعضهم : في الآية ما يدل على أن الرياسة في الدين يجب أن تطلب ويرغب فيها . وقيل : نزلت هذه الآيات في العشرة المبشرين بالجنة .

فإن قلت : { مِنْ } في قوله : { مِنْ أزواجنا } ما هي ؟ قلت : يحتمل أن تكون بيانية كأنه قيل : هب لنا قرّة أعين ، ثم بينت القرّة وفسرت بقوله : من أزواجنا وذرياتنا . ومعناه : أن يجعلهم الله لهم قرّة أعين ، وهو من قولهم : رأيت منك أسداً ، أي : أنت أسد وأن تكون ابتدائية على معنى : هب لنا من جهتهم ما تقرّ به عيوننا من طاعة وصلاح .

فإن قلت : لم قال { قُرَّةِ أَعْيُنٍ } فنكر وقلل ؟ قلت : أما التنكير فلأجل تنكير القرّة ؛ لأن المضاف لا سبيل إلى تنكيره إلا بتنكير المضاف إليه ، كأنه قيل : هب لنا منهم سروراً وفرحاً . وإنما قيل : { أَعْيُنٍ } دون عيون ؛ لأنه أراد أعين المتقين . وهي قليلة بالإضافة إلى عيون غيرهم . قال الله تعالى : { وَقَلِيلٌ مّنْ عِبَادِىَ الشكور } [ سبأ : 13 ] ، ويجوز أن يقال في تنكير { أَعْيُنٍ } أنها أعين خاصة وهي أعين المتقين .