اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبۡ لَنَا مِنۡ أَزۡوَٰجِنَا وَذُرِّيَّـٰتِنَا قُرَّةَ أَعۡيُنٖ وَٱجۡعَلۡنَا لِلۡمُتَّقِينَ إِمَامًا} (74)

قوله{[36761]} : { والذين يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا } .

يجوز أن تكون «من » لابتداء الغاية ، أي : هب لنا من جهتهم ما تقرّ به عيوننا من طاعة وصلاح{[36762]} ، وأن تكون للبيان ، قاله الزمخشري وجعله من التَّجريد ، أي : هب لنا{[36763]} قُرَّة أعْيُنٍ من أزواجنا كقولك رأيتُ مِنْكَ أسَداً{[36764]} .

وقرأ أبو عمرو والأخوان{[36765]} وأبو بكر «ذُرِّيَّتِنَا » بالتوحيد ، والباقون بالجمع سلامة{[36766]} وقرأ أبو هريرة وأبو الدرداء وابن مسعود «قُرَّاتِ » بالجمع{[36767]} ، وقال الزمخشري : أتى هنا ب «أَعْيُنٍ » صيغة القلة دون ( عُيُونٍ ) صيغة الكثرة ، إيذاناً بأنَّ عيون المتقين قليلة بالنسبة إلى عيون غيرهم{[36768]} . وردَّه أبو حيان بأن أعيُناً يطلق على العشرة فما دونها ، وعيون المتقين كثيرة فوق العشرة{[36769]} . وهذا تحمُّلٌ عليه ، لأنَّه إنما أراد القلة بالنسبة إلى كثرة غيرهم ، ولم يُرِدْ قَدْراً مخصوصاً .

فصل

أراد قرة أعين لهم في الدين لا في الدنيا من المال والجمال ، قال الزجاج : يقال : أقرَّ الله عينك ، أي : صادف فؤادك ما يحبه{[36770]} وقال المفضل : في قرة العين ثلاثة أقوال :

أحدها : برد دمعتها ، وهي التي تكون مع السرور ، ودمعة الحزن حارة .

الثاني : فرحها ، لأنه يكون مع ذهاب الحزن والوجع .

الثالث : قال الأزهري{[36771]} : حصول الرضا{[36772]} .

قوله : { واجعلنا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً } في «إمَاماً » وجهان :

أحدهما : أنه مفرد ، وجاء به مفرداً إرادة للجنس{[36773]} ، وجنسه كونه رأس فاصلة{[36774]} . ( أو المراد : اجعل كل واحد منا إماماً{[36775]} . كما قال { نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً }{[36776]} [ الحج : 5 ] .

قال الفراء : قال «إِمَاماً » ولم يقل : أئمة . كما قال للاثنين{[36777]} { إِنَّا رَسُولُ رَبِّ العالمين }{[36778]} [ الشعراء : 16 ] . وقيل : أراد أئمة كقوله : { فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لي } [ الشعراء : 77 ] ، وإمَّا لاتحادهم و{[36779]}اتفاق كلمتهم{[36780]} ، وإمَّا لأنَّه مصدرٌ في الأصل كصيام وقيام{[36781]} .

الثاني : أنه جمع آمٍّ {[36782]}كحالٍّ وحلال ، أو جمع إمامة كقلادة وقلاد{[36783]} .

قال القفال : وعندي أن الإمام إذا ذهب به مذهب الاسم وحد كأنه قيل : اجعلنا حجة للمتقين ، ومثله البينة يقال : هؤلاء بينة فلان .

فصل

قال الحسن{[36784]} : نقتدي بالمتقين ويقتدي بنا المتقون{[36785]} . وقال ابن عباس : اجعلنا أئمة هداة كما قال : { وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ } [ الأنبياء : 73 ] ولا تجعلنا أئمة ضلالة ، كقوله : { وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النار }{[36786]} [ القصص : 41 ] . وقيل هذا من المقلوب ، أي : واجعل المتقين لنا إماماً واجعلنا مؤتمين مقتدين بهم قاله مجاهد{[36787]} .

فصل

قيل : نزلت الآية{[36788]} في العشرة المبشرين بالجنة{[36789]} .

قال بعضهم : هذه الآية تدل على وجوب طلب الرياسة في الدين والرغبة فيها ، قال إبراهيم - عليه السلام{[36790]} - { واجعل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخرين }{[36791]} [ الشعراء : 84 ] واحتج أهل السنة بهذه الآية على أن فعل العبد مخلوق لله تعالى ، لأن الإمامة في الدين لا تكون إلا بالعلم والعمل ، والعلم والعمل إنما يكون بجعل الله وخلقه .

قال القاضي : المراد من هذا السؤال الألطاف التي إذا كثرت صاروا مختارين لهذه الأشياء فيصيرون أئمة .

والجواب : أن تلك الألطاف مفعولة لا محالة فيكون سؤالها عبثاً{[36792]} .

واعلم أنه تعالى لما بيَّن صفات المتقين المخلصين بيَّن بعده إحسانه إليهم .


[36761]:في ب: قوله تعالى.
[36762]:انظر الكشاف 3/105.
[36763]:لنا: سقط من ب.
[36764]:أي: أنت أسد. الكشاف 3/105.
[36765]:حمزة والكسائي.
[36766]:السبعة (467)، الكشف 2/148، النشر 2/335، الإتحاف (330).
[36767]:المختصر (105)، البحر المحيط 6/517.
[36768]:انظر الكشاف 3/106.
[36769]:البحر المحيط 6/517.
[36770]:لم أعتر على ما قاله الزجاج في معاني القرآن وإعرابه. وهو في الفخر الرازي 24/115.
[36771]:بالمعنى. التهذيب (قر) 8/276 – 277.
[36772]:انظر الفخر الرازي 24/115.
[36773]:انظر البيان 2/210.
[36774]:انظر البحر المحيط 6/517.
[36775]:المرجع السابق.
[36776]:ما بين القوسين ساقط من ب.
[36777]:في ب: للراسين. وهو تحريف.
[36778]:معاني القرآن 2/274. بتصرف يسير.
[36779]:في ب: في.
[36780]:انظر البحر المحيط 6/517.
[36781]:انظر القرطبي 13/83 والتبيان 2/992.
[36782]:انظر معاني القرآن للأخفش 2/643، ونقل القرطبي هذا الوجه عن الأخفش قال: (قال الأخفش: الإمام جمع أم من أم يؤم جمع على فعال نحو صاحب وصحاب، وقائم وقيام) القرطبي 13/83.
[36783]:انظر البيان 2/210، التبيان 2/992.
[36784]:الحسن: سقط من ب.
[36785]:انظر البغوي 6/202 – 203.
[36786]:[القصص: 41]. وانظر البغوي 6/203.
[36787]:انظر البغوي 6/203.
[36788]:في الفخر الرازي: الآيات.
[36789]:انظر الفخر الرازي 24/115.
[36790]:في ب: عليه الصلاة والسلام.
[36791]:[الشعراء: 84]. وانظر الفخر الرازي 24/115.
[36792]:انظر الفخر الرازي 24/115.