البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبۡ لَنَا مِنۡ أَزۡوَٰجِنَا وَذُرِّيَّـٰتِنَا قُرَّةَ أَعۡيُنٖ وَٱجۡعَلۡنَا لِلۡمُتَّقِينَ إِمَامًا} (74)

{ قرة أعين } كناية عن السرور والفرح ، وهو مأخوذ من القر وهو البرد .

يقال : دمع السرور بارد ، ودمع الحزن سخن ، ويقال : أقر الله عينك ، وأسخن الله عين العدو .

وقال أبو تمام :

فأما عيون العاشقين فأسخنت *** وأما عيون الشامتين فقرت

وقيل : مأخوذ من القرار أي يقر النظر به ولا ينظر إلى غيره .

وقال أبو عمرو : وقرة العين النوم أي آمناً لأن الأمن لا يأتي مع الخوف حكاه القفال ، وقرة العين فيمن ذكروا رؤيتهم مطيعين لله قاله ابن عباس والحسن وحضرمي كانوا في أول الإسلام يهتدي الأب والابن كافر والزوج والزوجة كافرة ، وكانت قرة عيونهم في إيمان أحبابهم .

وقال ابن عباس : قرة عين الولدان تراه يكتب الفقه والظاهر أنهم دعوا بذلك ليجابوا في الدنيا فيسروا بهم .

وقيل : سألوا أن يلحق الله بهم أولئك في الجنة ليتم لهم سرورهم انتهى .

ويتضمن هذا القول الأول الذي هو في الدنيا لأن ذلك نتيجة إيمانهم في الدنيا .

ومن الظاهر أنها لابتداء الغاية أي { هب لنا } من جهتهم ما تقربه عيوننا من طاعة وصلاح ، وجوز أن تكون للبيان قاله الزمخشري قال : كأنه قيل { هب لنا } { قرة أعين } ثم بينت القرة وفسرت بقوله { من أزواجنا وذريتنا } ومعناه أن يجعلهم الله لهم قرة أعين من قولك : رأيت منك أسداً أي أنت أسد انتهى .

وتقدم لنا أن { من } التي لبيان الجنس لا بد أن تتقدم المبين .

ثم يأتي بمن البيانية وهذا على مذهب من أثبت أنها تكون لبيان الجنس .

والصحيح أن هذا المعنى ليس بثابت لمن .

وقرأ ابن عامر والحرميان وحفص وذرياتنا على الجمع وباقي السبعة وطلحة على الإفراد .

وقرأ عبد الله وأبو الدرداء وأبو هريرة قرات على الجمع ، والجمهور على الإفراد .

ونكرت القرة لتنكير الأعين كأنه قال هب لنا منهم سروراً وفرحاً وجاء { أعين } بصيغة جمع القلة دون عيون الذي هو صيغة جمع الكثرة لأنه أريد أعين المتقين وهي قليلة بالإضافة إلى عيون غيرهم قاله الزمخشري .

وليس بجيد لأن أعين تنطلق على العشرة فما دونه من الجمع ، والمتقون ليست أعينهم عشرة بل هي عيون كثيرة جداً وإن كانت عيونهم قليلة بالنسبة إلي عيون غيرهم فهي من الكثرة بحيث تفوت العد .

وأفرد { إماماً } إما اكتفاء بالواحد عن الجمع ، وحسنه كونه فاصلة ويدل على الجنس ولا لبس ، وأما لأن المعنى واجعل كل واحد { إماماً } وإما أن يكون جمع آمّ كحال وحلال ، وإما لاتحادهم واتفاق كلمتهم قالوا : واجعلنا إماماً واحداً دعوا الله أن يكونوا قدوة في الدين ولم يطلبوا الرئاسة قاله النخعي .

وقيل : في الآية ما يدل على أن الرئاسة في الدين يجب أن تطلب .

ونزلت في العشرة المبشَّرين بالجنة .