فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبۡ لَنَا مِنۡ أَزۡوَٰجِنَا وَذُرِّيَّـٰتِنَا قُرَّةَ أَعۡيُنٖ وَٱجۡعَلۡنَا لِلۡمُتَّقِينَ إِمَامًا} (74)

{ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا } من ابتدائية ، أو بيانية ، قاله الزمخشري { وَذُرِّيَّاتِنَا } قرئ بالجمع ، وبالإفراد ، وهما سبعيتان ، والذرية تقع على الجمع ، كما في قوله { ذرية ضعافا } وتقع على الفرد كما في قوله ذرية طيبة .

{ قُرَّةَ أَعْيُنٍ } يقال : قرت عينه قرة . قال الزجاج : يقال أقر الله عينك أي صادف فؤادك ما تحبه وقال المفضل : في قرة العين ثلاثة أقوال ، أحدها برد دمعها لأنه دليل السرور والضحك ، كما أن حره دليل الحزن والغم ، والثاني نومها ، لأنه يكون مع فراغ الخاطر وذهاب الحزن ، والثالث حصول الرضا قال ابن عباس : يعنون من يعمل بالطاعة فتقر به أعيننا في الدنيا والآخرة فإنه ليس شيء أقر لعين المؤمن من أن يرى زوجته وأولاده مطيعين لله عز وجل ، فيطمع ان يحلوا معه في الجنة ، فيتم سروره ، وتقر عينه بذلك .

{ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا } أي قدوة يقتدي بنا في الخير وإقامة مراسم الدين بإفاضة العلم والتوفيق للعمل الصالح . وإنما قال إماما ولم يقل أئمة لأنه أريد الجنس ، كقوله { ثم يخرجكم طفلا } قال الفراء : قال إماما ، ولم يقل أئمة كما للاثنين { إنا رسول رب العالمين } يعني أنه من الواحد الذي أريد به الجمع وقال الأخفش : الإمام جمع أم من أم يؤم جمع على فعال نحو صاحب وصحاب وقائم وقيام ، وقيل إن إماما مصدر ، يقال أم فلان فلانا إماما مثل الصيام والقيام ، وقيل أرادوا اجعل كل واحد منا إماما ، وقيل أرادوا اجعلنا إماما واحدا ، لاتحاد كلمتنا واتفاق طريقتنا وقيل : إنه من الكلام المقلوب وأن المعنى واجعل المتقين لنا إماما . وبه قال مجاهد .

وقيل : إن هذا الدعاء صادر عنهم بطريق الانفراد وإن عبارة كل واحد منهم عند الدعاء واجعلني للمتقين إماما ولكنها حكيت عبارات القوم بصيغة المتكلم ، مع الغير لقصد الإيجاز ، كقوله : { يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا } ، وفي هذا إبقاء إماما على حاله قال القفال : وعندي أن الإمام إذا ذهب به مذهب الاسم وحد كأنه قيل اجعلنا حجة للمتقين . ومثله البينة ، يقال هؤلاء بينة فلان ، قال الحنفاوي : ولفظ إمام يستوي فيه الجمع وغيره ، فالمطابقة حاصلة .

قال النيسابوري : قيل في الآية دلالة على أن الرياسة الدينية مما يجب أن تطلب ويرغب فيها والأقرب أنهم سألوا الله أن يبلغهم في الطاعة المبلغ الذي يشار إليهم ويقتدي بهم وقال ابن عباس في الآية : أئمة هدى يهتدي بنا ولا تجعلنا أئمة ضلالة لأنه قال لأهل السعادة { وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا } ولأهل الشقاوة { وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار } .