فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبۡ لَنَا مِنۡ أَزۡوَٰجِنَا وَذُرِّيَّـٰتِنَا قُرَّةَ أَعۡيُنٖ وَٱجۡعَلۡنَا لِلۡمُتَّقِينَ إِمَامًا} (74)

{ والذين يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أزواجنا وذرياتنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ } من ابتدائية ، أو بيانية . قرأ نافع وابن كثير وابن عباس والحسن : { وذرّياتنا } بالجمع ، وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي وطلحة وعيسى : { وذرّيتنا } بالإفراد ، والذرّية تقع على الجمع ، كما في قوله : { ذُرّيَّةً ضعافا } [ النساء : 9 ] ، وتقع على الفرد كما في قوله : { ذُرّيَّةً طَيّبَةً } [ آل عمران : 38 ] ، وانتصاب { قرّة أعين } على المفعولية ، يقال : قرّت عينه قرة . قال الزجاج : يقال أقرّ الله عينك : أي صادف فؤادك ما يحبه ، وقال المفضل : في قرّة العين ثلاثة أقوال : أحدها برد دمعها ، لأنه دليل السرور والضحك ، كما أن حرّه دليل الحزن والغمّ . والثاني : نومها ، لأنه يكون مع فراغ الخاطر ، وذهاب الحزن ، والثالث : حصول الرضا { واجعلنا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً } أي قدوة يقتدى بنا في الخير ، وإنما قال : { إماماً } ، ولم يقل أئمة ، لأنه أريد به الجنس ، كقوله : { ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً } [ الحج : 5 ] قال الفراء : قال { إماماً } ، ولم يقل أئمة ؛ كما قال للاثنين : { إِنَّا رَسُولُ رَبّ العالمين } [ الشعراء : 16 ] يعني أنه من الواحد الذي أريد به الجمع . وقال الأخفش : الإمام جمع أمّ من أمّ يأمّ ، جمع على فعال ، نحو صاحب وصحاب ، وقائم وقيام . وقيل إن إماماً مصدر ، يقال : أمّ فلان فلاناً إماماً ، مثل الصيام والقيام . وقيل أرادوا : اجعل كل واحد منا إماماً ، وقيل أرادوا : اجعلنا إماماً واحداً لاتحاد كلمتنا ، وقيل إنه من الكلام المقلوب ، وأن المعنى : واجعل المتقين لنا إماماً ، وبه قال مجاهد . وقيل : إن هذا الدعاء صادر عنهم بطريق الانفراد ، وأن عبارة كل واحد منهم عند الدعاء : واجعلني للمتقين إماماً ، ولكنها حكيت عبارات الكل بصيغة المتكلم مع الغير لقصد الإيجاز كقوله : { ياأَيُّهَا الرسل كُلُواْ مِنَ الطيبات واعملوا صالحا } [ المؤمنون : 51 ] ، وفي هذا إبقاء { إماماً } على حاله ، ومثل ما في الآية قول الشاعر :

يا عاذلاتي لا تزدن ملامتي *** إن العواذل ليس لي بأمين

أي أمناء . قال القفال : وعندي أن الإمام إذا ذهب به مذهب الاسم وحد كأنه قيل : اجعلنا حجة للمتقين ، ومثله البينة : يقال هؤلاء بينة فلان . قال النيسابوري : قيل في الآية دلالة على أن الرياسة الدينية مما يجب أن تطلب ويرغب فيها ، والأقرب أنهم سألوا الله أن يبلغهم في الطاعة المبلغ الذي يشار إليهم ويقتدى بهم .

/خ77