معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلۡإِنسَٰنُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدۡحٗا فَمُلَٰقِيهِ} (6)

ومعنى قوله :{ كادح إلى ربك كدحاً } أي ساع إليه في عملك ، والكدح : عمل الإنسان وجهده في الأمر من الخير والشر حتى يكدح ذلك فيه ، أي يؤثر . وقال قتادة والكلبي الضحاك : عامل لربك عملاً ، { فملاقيه } أي ملاقي جزاء عملك خيراً كان أو شراً .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلۡإِنسَٰنُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدۡحٗا فَمُلَٰقِيهِ} (6)

{ يَا أَيُّهَاالْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ } أي : إنك ساع إلى الله ، وعامل بأوامره ونواهيه ، ومتقرب إليه إما بالخير وإما بالشر ، ثم تلاقي الله يوم القيامة ، فلا تعدم منه جزاء بالفضل إن كنت سعيدًا ، أو بالعدل إن كنت شقيًا{[1391]} .


[1391]:- في ب: جزاء بالفضل أو العدل، بالفضل إن كنت سعيدًا، وبالعقوبة إن كنت شقيًا.
 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلۡإِنسَٰنُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدۡحٗا فَمُلَٰقِيهِ} (6)

وفي هذا الجو الخاشع الطائع يجيء النداء العلوي للإنسان ، وأمامه الكون بسمائه وأرضه مستسلما لربه هذا الاستسلام :

( يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه ) . .

( يا أيها الإنسان ) . . الذي خلقه ربه بإحسان ؛ والذي ميزه بهذه " الإنسانية " التي تفرده في هذا الكون بخصائص كان من شأنها أن يكون أعرف بربه ، وأطوع لأمره من الأرض والسماء . وقد نفخ فيه من روحه ، وأودعه القدرة على الإتصال به ، وتلقي قبس من نوره ، والفرح باستقبال فيوضاته ، والتطهر بها أو الارتفاع إلى غير حد ، حتى يبلغ الكمال المقدر لجنسه ، وآفاق هذا الكمال عالية بعيدة !

( يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه ) . . يا أيها الإنسان إنك تقطع رحلة حياتك على الأرض كادحا ، تحمل عبئك ، وتجهد جهدك ، وتشق طريقك . . لتصل في النهاية إلى ربك . فإليه المرجع وإليه المآب . بعد الكد والكدح والجهاد . .

يا أيها الإنسان . . إنك كادح حتى في متاعك . . فأنت لا تبلغه في هذه الأرض إلا بجهد وكد . إن لم يكن جهد بدن وكد عمل ، فهو جهد تفكير وكد مشاعر . الواجد والمحروم سواء . إنما يختلف نوع الكدح ولون العناء ، وحقيقة الكدح هي المستقرة في حياة الإنسان . . ثم في النهاية في آخر المطاف إلى الله سواء .

يا أيها الإنسان . . إنك لا تجد الراحة في الأرض أبدا . إنما الراحة هناك . لمن يقدم لها بالطاعة والاستسلام . . والتعب واحد في الأرض والكدح واحد - وإن اختلف لونه وطعمه - أما العاقبة فمختلفة عندما تصل إلى ربك . . فواحد إلى عناء دونه عناء الأرض . وواحد إلى نعيم يمسح على آلام الأرض كأنه لم يكن كدح ولا كد . .

يا أيها الإنسان . . الذي امتاز بخصائص " الإنسان " . . ألا فاختر لنفسك ما يليق بهذا الامتياز الذي خصك به الله ، اختر لنفسك الراحة من الكدح عندما تلقاه .

ولأن هذه اللمسة الكامنة في هذا النداء ، فإنه يصل بها مصائر الكادحين عندما يصلون إلى نهاية الطريق ، ويلقون ربهم بعد الكدح والعناء :

( وأما من أوتي كتابه وراء ظهره فسوف يدعو ثبورا ، ويصلى سعيرا . إنه كان في أهله مسرورا . إنه ظن أن لن يحور . بلى إن ربه كان به بصيرا ) . .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلۡإِنسَٰنُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدۡحٗا فَمُلَٰقِيهِ} (6)

القول في تأويل قوله تعالى : { يَأَيّهَا الإِنسَانُ إِنّكَ كَادِحٌ إِلَىَ رَبّكَ كَدْحاً فَمُلاَقِيهِ * فَأَمّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً * وَيَنقَلِبُ إِلَىَ أَهْلِهِ مَسْرُوراً } .

يقول تعالى ذكره : يا أيها الإنسان إنك عامل إلى ربك عملاً فملاقيه به : خيرا كان عملُك ذلك أو شرّا يقول : فليكن عملُك مما يُنجيك من سُخْطه ، ويوجب لك رضاه ، ولا يكن مما يُسخطه عليك فتهلك . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس يا أيّها الإنْسانُ إنّكَ كادحٌ إلى رَبّك كَدْحا فَمُلاقِيهِ يقول : تعمل عملاً تلقى الله به خيرا كان أو شرّا .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : يا أيّها الإنْسانُ إنّكَ كادحٌ إلى رَبّكَ كَدْحا فَمُلاقِيهِ إن كدحك يا ابن آدم لضعيف ، فمن استطاع أن يكون كدحه في طاعة الله فليفعل ، ولا قوّة إلا بالله .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : إنّكَ كادحٌ إلى رَبّكَ كَدْحا قال : عامل له عملاً .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : وسمعته يقول في ذلك إنّكَ كادحُ إلى رَبّكَ كَدْحا قال : عامل إلى ربك عملاً ، قال : كدحا : العمل .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلۡإِنسَٰنُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدۡحٗا فَمُلَٰقِيهِ} (6)

وقوله تعالى : { يا أيها الإنسان } مخاطبة للجنس ، و «الكادح » : العامل بشدة وسرعة واجتهاد مؤثر ، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم : «من سأل وله ما يغنيه جاءت مسألته خدوشاً أو كدوحاً في وجهه يوم القيامة{[11700]} » والمعنى أنك عامل خيراً أو شراً وأنت لا محالة في ذلك سائر إلى ربك ، لأن الزمن يطير بعمر الإنسان ، فإنما هو مدة عمره في سير حثيث إلى ربه ، وهذه آية وعظ وتذكير ، أي فكر على حذر من هذه الحال واعمل عملاً صالحاً تجده ، وقرأ طلحة : بإدغام كاف كادح ومن هذه اللفظة قول الشاعر : [ الوافر ]

وما الإنسان إلا ذو اغترار . . . طوال الدهر يكدح في سفال{[11701]}

وقال قتادة : من استطاع أن يكون كدحه في طاعة الله فليفعل ، وقوله تعالى : { فملاقيه } معناه : فملاقي عذابه أو تنعيمه ، واختلف النحاة في العامل : في { إذا } ، فقال بعض النحاة العامل : { انشقت } وأبى ذلك كثير من أئمتهم ، لأن { إذا } : مضافة إلى { انشقت } ومن يجز ذلك تضعف عنده الإضافة ، وأبى ذلك كثير من أئمتهم ، لأن { إذا } مضافة إلى { انشقت } ومن يجز ذلك يضعف عنده الإضافة ، ويقوى معنى الجزاء{[11702]} ، وقال آخرون منهم : العامل { فملاقيه } ، وقال بعض حذاقهم : العامل فعل مضمر ، وكذلك اختلفوا في جواب { إذا } ، فقال كثير من النحاة : هو محذوف لعلم السامع به ، وقال أبو العباس المبرد والأخفش : هو في قوله : { يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه } ، إذا انشقت السماء ، انشقت فأنت ملاقي الله ، وقيل التقدير في أيها الإنسان ، وجواب { إذا } في الفاء المقدرة ، وقال الفراء عن بعض النحاة : هو { أذنت } على زيادة تقدير الواو{[11703]} ، وأما الضمير { فملاقيه } ، فقال جمهور المتأولين هو عائد على الرب ، فالفاء على هذا عاطفة ملاق على كادح ، وقال بعض الناس : هو عائد على الكدح ، فالفاء على هذا عاطفة جملة على التي قبلها ، والتقدير فأنت ملاقيه{[11704]} ، والمعنى ملاقي جزائه خيراً كان أو شراً .


[11700]:أخرجه أبو داود والنسائي في الزكاة، وأحمد في مسنده (2/94، 5/19)، ولفظه كما في مسند أحمد، عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (المسألة كدوح في وجه صاحبها يوم القيامة، فمن شاء فليستبق على وجهه، وأهون المسألة مسألة ذي الرحم تسأله في حاجة، وخير المسألة المسألة عن ظهر غنى، وابدأ بمن تعول). قال ابن الأثير: الكدوح الخدوش، وكل أثر من خدش أو عض فهو كدح.
[11701]:الاغترار: الغفلة، والكدح: السعي والمشقة، والسقال: مصدر سفل وهو نقيض العلو والرفعة، يقول: إن الإنسان يعيش دائما في غفلة، ويتعب نفسه في حقير الأمور التي لا تنفعه أو تنهض به.
[11702]:نقل أبو حيان كلام ابن عطية هذا، ثم علق عليه بقوله: "وهذا القول نحن نختاره، وقد استدللنا على صحته فيما كتبنا، والتقدير : وقت انشقاق السماء وقت مد الأرض".
[11703]:قال القرطبي تعليقا على هذا الكلام: "وهذا غلط، لأن العرب لا تقحم الواو إلا مع "حتى – إذا" كقوله تعالى: {حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها}، ومع "لما" كقوله تعالى: {فلما أسلما وتله للجبين وناديناه } معناه: ناديناه، الواو لا تقحم مع غير هذين}.
[11704]:أيضا نقل أبو حيان الأندلسي هذا الكلام عن ابن عطية في البحر المحيط، وعقب بقوله: "ولا يتعين ما قاله، بل يصح أن يكون معطوفا على (كادح) عطف المفردات".