قوله تعالى : { فلما وضعتها } أي ولدتها إذا هي جارية ، والهاء في قوله ( وضعتها ) راجعة إلى النذيرة لا إلى " ما " لذلك أنث .
قوله تعالى : { قالت } حنة ، وكانت ترجو أن يكون غلاماً .
قوله تعالى : { رب إني وضعتها أنثى } اعتذاراً إلى الله عز وجل .
قوله تعالى : { والله أعلم بما وضعت } بجزم التاء إخباراً عن الله تعالى عز وجل وهي قراءة العامة ، وقرأ ابن عامر وأبو بكر ويعقوب ، وضعت برفع التاء ، جعلوها من كلام أم مريم .
قوله تعالى : { وليس الذكر كالأنثى } في خدمة الكنيسة والعباد الذين فيها للينها وضعفها وما يعتريها من الحيض والنفاس .
قوله تعالى : { وإني سميتها مريم } وهي بلغتهم العابدة والخادمة ، وكانت مريم أجمل النساء في وقتها وأفضلهن .
قوله تعالى : { وإني أعيذها } أمنعها وأجيرها .
قوله تعالى : { بك وذريتها } أولادها .
قوله تعالى : { من الشيطان الرجيم } والشيطان الطريد اللعين والرجيم المرمي بالشهب .
أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا احمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، أنا محمد بن إسماعيل ، أنا أبو اليمان ، أنا شعيب عن الزهري . حدثني سعيد بن المسيب قال : قال أبو هريرة رضي الله عنه : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " ما من بني آدم مولود إلا يمسه الشيطان حين يولد فيستهل الصبي صارخاً من الشيطان غير مريم وابنها " ثم يقول أبو هريرة رضي الله عنه ( وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم ) .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنا احمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، أنا محمد بن إسماعيل ، أنا أبو اليمان ، أنا شعيب عنابي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " كل بني آدم يطعن الشيطان في جنبه بأصبعه حين يولد ، غير عيسى بن مريم ذهب يطعن فطعن في الحجاب " .
{ فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى } كأنها تشوفت أن يكون ذكرا ليكون أقدر على الخدمة وأعظم موقعا ، ففي كلامها
[ نوع ]{[157]} عذر من ربها ، فقال الله : { والله أعلم بما وضعت } أي : لا يحتاج إلى إعلامها ، بل علمه متعلق بها قبل أن تعلم أمها ما هي { وليس الذكر كالأنثى وإني سميتها مريم } فيه دلالة على تفضيل الذكر على الأنثى ، وعلى التسمية وقت الولادة ، وعلى أن للأم تسمية الولد إذا لم يكره الأب { وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم } دعت لها ولذريتها أن يعيذهم الله من الشيطان الرجيم .
ولكنها وضعتها أنثى ؛ ولم تضعها ذكرا !
( فلما وضعتها قالت : رب إني وضعتها أنثى - والله أعلم بما وضعت - وليس الذكر كالأنثى . وإني سميتها مريم . وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم ) . .
لقد كانت تنتظر ولدا ذكرا ؛ فالنذر للمعابد لم يكن معروفا إلا للصبيان ، ليخدموا الهيكل ، وينقطعوا للعبادة والتبتل . ولكن ها هي ذي تجدها أنثى . فتتوجه إلى ربها في نغمة أسيفة :
ولكنها هي تتجه إلى ربها بما وجدت ، وكأنها تعتذر إن لم يكن لها ولد ذكر ينهض بالمهمة .
ولا تنهض الأنثى بما ينهض به الذكر في هذا المجال : ( وإني سميتها مريم ) . .
وهذا الحديث على هذا النحو فيه شكل المناجاة القريبة . مناجاة من يشعر أنه منفرد بربه . يحدثه بما في نفسه ، وبما بين يديه ، ويقدم له ما يملك تقديما مباشرا لطيفا . وهي الحال التي يكون فيها هؤلاء العباد المختارون مع ربهم . حال الود والقرب والمباشرة ، والمناجاة البسيطة العبارة ، التي لا تكلف فيها ولا تعقيد . مناجاة من يحس أنه يحدث قريبا ودودا سميعا مجيبا .
( وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم ) . .
وهي الكلمة الأخيرة حيث تودع الأم هديتها بين يدي ربها ، وتدعها لحمايته ورعايته ، وتعيذها به هي وذريتها من الشيطان الرجيم . .
وهذه كذلك كلمة القلب الخالص ، ورغبة القلب الخالص . فما تود لوليدتها أمرا خيرا من أن تكون في حياطة الله من الشيطان الرجيم !
{ فَلَمّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبّ إِنّي وَضَعْتُهَآ أُنْثَى وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذّكَرُ كَالأُنْثَى وَإِنّي سَمّيْتُهَا مَرْيَمَ وِإِنّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرّيّتَهَا مِنَ الشّيْطَانِ الرّجِيمِ }
يعني جلّ ثناؤه بقوله : { فَلَمّا وَضَعَتْها } فلما وضعت حنة النذيرة ، ولذلك أنث . ولو كانت الهاء عائدة على «ما » التي في قوله : { إني نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرّرا } لكان الكلام : فلما وضعته قالت : ربّ إني وضعته أنثى . ومعنى قوله : { وَضَعْتُها } ولدتها ، يقال منه : وضعت المرأة تضع وضعا . { قَالَتْ رَب إني وَضَعْتُها أُنْثَى } أي ولدت النذيرة أنثى¹ { وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ } .
واختلف القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة القراء : { وَضَعَتْ } خبرا من الله عزّ وجلّ عن نفسه أنه العالم بما وضعت من غير قيلها : { رَبّ إني وَضَعْتُها أُنْثَى } . وقرأ ذلك بعض المتقدمين : «وَاللّهُ أعْلَمُ بِمَا وَضَعْتُ » على وجه الخبر بذلك عن أمّ مريم أنها هي القائلة ، والله أعلم بما ولدتُ مني .
وأولى القراءتين بالصواب ما نقلته الحجة مستفيضة فيها قراءته بينها لا يتدافعون صحتها ، وذلك قراءة من قرأ : { وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ } ولا يعترض بالشاذ عنها عليها .
فتأويل الكلام إذا : والله أعلم من كل خلقه بما وضعت . ثم رجع جلّ ذكره إلى الخبر عن قولها ، وأنها قالت اعتذارا إلى ربها مما كانت نذرت في حملها فحرّرته لخدمة ربها : { وَلَيْسَ الذّكَرُ كالأُنْثَى } لأن الذكر أقوى على الخدمة وأقوم بها ، وأن الأنثى لا تصلح في بعض الأحوال لدخول القدْس والقيام بخدمة الكنيسة لما يعتريها من الحيض والنفاس { وإني سَمّيْتُها مَرْيَم } . كما :
حدثني ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن محمد بن جعفر بن الزبير : { فَلَمّا وَضَعَتْها قَالَتْ رَبّ إنّي وَضَعْتُها أُنْثَى وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذّكَرُ كالأُنْثَى } أي لما جعلتها له محرّرة نذيرة .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، قال : ثني ابن إسحاق : { وَلَيْسَ الذّكَرُ كالأُنْثَى } لأن الذكر هو أقوى على ذلك من الأنثى .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : { وَلَيْسَ الذّكَرُ كالأُنْثَى } كانت المرأة لا تستطيع أن يصنع بها ذلك ، يعني أن تحرّر للكنيسة فتجعل فيها تقوم عليها وتكنسها فلا تبرحها مما يصيبها من الحيض والأذى ، فعند ذلك قالت : { وَلَيْسَ الذّكَرُ كالأُنْثَى } .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة : { قالتْ رَبّ إنّي وَضَعْتُها أُنْثَى } وإنما كانوا يحررون الغلمان ، قال : { وَلَيْسَ الذّكَرُ كالأُنْثَى وَإِنْي سَمّيْتُها مَرْيَم } .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، قال : كانت امرأة عمران حررت لله ما في بطنها ، وكانت على رجاء أن يهب لها غلاما ، لأن المرأة لا تستطيع ذلك يعني القيام على الكنيسة لا تبرحها وتكنسها لما يصيبها من الأذى .
حدثني موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : أن امرأة عمران ظنت أن ما في بطنها غلام ، فوهبته لله ، فلما وضعت إذا هي جارية ، فقالت تعتذر إلى الله : { رَبّ إنّي وَضَعْتُها أُنْثَى . . . وَلَيْسَ الذّكَرُ كالأُنْثَى } تقول : إنما يحرّر الغلمان . يقول الله : { وَاللّهْ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ } ، فقالت : { إِنّي سَمَيْتُهَا مَرْيَم } .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن القاسم بن أبي بزة ، أنه أخبره عن عكرمة ، وأبي بكر عن عكرمة : { فَلَمّا وَضَعَتْها قَالَتْ رَبّ إِنّي وَضَعْتُها أُنْثَى . . . وَلَيْسَ الذّكَرُ كالأُنْثَى } يعني في المحيض ، ولا ينبغي لامرأة أن تكون مع الرجال¹ أمها تقول ذلك .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَإِنّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرّيّتَها مِنَ الشّيْطَانِ الرّجِيمِ } .
تعني بقولها : { وَإِنّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرّيّتَها } وإني أجعل معاذها ومعاذ ذرّيتها من الشيطان الرجيم بك . وأصل المعاذ : الموئل والملجأ والمعقل . فاستجاب الله لها فأعاذها الله وذرّيتها من الشيطان الرجيم ، فلم يجعل له عليها سبيلاً .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا عبدة بن سليمان ، عن محمد بن إسحاق ، عن يزيد بن عبد الله بن قسيط ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مَا مِنْ نَفْسِ مَوْلُودٍ يُولَدُ إِلاّ وَالشّيْطَانُ يَنَالُ مِنْهُ تِلْكَ الطّعْنَةَ ، وَبِهَا يَسْتَهِلّ الصّبِيّ¹ إِلاّ مَا كَانَ مِنْ مَرْيَمَ ابْنَةِ عِمْرَانَ فَإِنّها لَمّا وَضَعَتْها قَالَتْ : { رَبّ إِنّي أُعِيذُها وَذُرّيّتَها مِنَ الشّيْطَانِ الرّجِيمِ } فَضُرِبَ دُونَها حِجابٌ ، فَطَعَنَ فِيهِ » .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا يونس بن بكير ، قال : ثني محمد بن إسحاق ، عن يزيد بن عبد الله بن قسيط ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «كُلّ مَوْلُودٍ مِنْ وَلَدِ آدَمَ لَهُ طَعْنَةٌ مِنَ الشّيْطَانِ ، وَبِها يَسْتَهِلّ الصّبِيّ¹ إِلاّ مَا كَانَ مِنْ مَرْيَمَ ابْنَةِ عِمْرَانَ وَوَلَدِها ، فَإِنّ أُمّها قَالَتْ حِينَ وَضَعَتْه : { إِنّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُريّتَها مِنَ الشّيْطَانِ الرّجِيمِ } فَضُرِبَ دُونَهُما حِجابٌ فَطَعَنَ فِي الحِجابِ » .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، قال : ثني محمد بن إسحاق ، عن يزيد بن عبد الله بن قسيط ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بنحوه .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا هارون بن المغيرة ، عن عمرو ، عن شعيب بن خالد ، عن الزبير ، عن سعيد بن المسيب ، قال : سمعت أبا هريرة يقول : سمعت النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول : «ما مِنْ بَنِي آدَمَ مَوْلُودٌ يُولَدُ إِلاّ قَدْ مَسّهُ الشّيْطَانُ حِينَ يُولَدُ ، فَيَسْتَهِلّ صَارِخا بِمَسّهِ إيّاهُ¹ غَيْرَ مَرْيَمَ وَابْنِها » . فقال أبو هريرة : اقرءوا إن شئتم : { إِنّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرّيّتَهَا مِنَ الشّيْطَانِ الرّجِيمِ } .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني ابن أبي ذئب عن عجلان مولى المشمعلّ ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «كُلّ مَوْلُودٍ يُولَدُ مِنْ بَنِي آدَمَ يَمَسّهُ الشّيْطَانُ بأُصْبُعِهِ ، إِلاّ مَرْيَمَ وَابْنَهَا » .
حدثني أحمد بن عبد الرحمن بن وهب ، قال : ثني عمي عبد الله بن وهب ، قال : أخبرني عمرو بن الحارث أن أبا يونس سليمان مولى أبي هريرة ، حدثه عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «كُلّ بَنِي آدَمَ يَمَسّهُ الشّيْطَانُ يَوْمَ وَلَدتْهُ أُمّهُ ، إِلاّ مَرْيَمَ وَابْنَها » .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني عمران أن أبا يونس حدثه ، عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مثله .
حدثني الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن الزهري ، عن ابن المسيب ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ما مِنْ مَوْلُودٍ يُولَدُ إِلاّ يَمَسّهُ الشّيْطَانُ فَيَسْتَهِلّ صَارِخا مِنْ مَسّةِ الشّيْطَانِ إِلاّ مَرْيَمَ وَابْنَها » ثم يقول أبو هريرة : اقرءوا إن شئتم : { وَإِنّي أُعِيذُها بِكَ وَذُريّتَها مِنَ الشّيْطَانِ الرجِيمِ } .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا الحماني ، قال : حدثنا قيس ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ما مِنْ مَوْلُودٍ يُولَدُ إِلاّ وَقَدْ عَصَرَهُ الشّيْطَانُ عَصْرَةً أَوْ عَصْرَتَيْنِ¹ إِلاّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ وَمَرْيَمَ » . ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إِنّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرّيّتَها مِنَ الشّيْطَانِ الرّجِيمِ } .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا هارون بن المغيرة ، عن عمرو بن أبي قيس ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : ما ولد مولود إلا وقد استهلّ ، غير المسيح ابن مريم لم يسلط عليه الشيطان ولم يَنْهَزْه .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا المنذر بن النعمان الأفطس ، أنه سمع وهب بن منبه يقول : لما ولد عيسى ، أتت الشياطين إبليس ، فقالوا : أصبحت الأصنام قد نكست رءوسها ، فقال : هذا في حادث حدث ! وقال : مكانكم ! فطار حتى جاء خافقي الأرض ، فلم يجد شيئا ، ثم جاء البحار فلم يجد شيئا ، ثم طار أيضا فوجد عيسى قد ولد عند مذود حمار ، وإذا الملائكة قد حفت حوله¹ فرجع إليهم فقال : إن نبيا قد ولد البارحة ما حملت أنثى قط ولا وضعت إلا أنا بحضرتها إلا هذه ! فأْيِسُوا أن تعبد الأصنام بعد هذه الليلة ، ولكن ائتوا بني آدم من قبل الخفة والعجلة .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : { وَإِنّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرّيّتَها مِنَ الشّيْطَانِ الرّجِيمِ } وذكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : «كُلّ بَنِي آدَمَ طَعَنَ الشّيْطَانُ فِي جَنْبِهِ إِلاّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمّهُ ، جُعِلَ بَيْنَهُما وَبَيْنَهُ حجابٌ ، فأصَابَتِ الطّعْنَةُ الحِجابَ وَلَمْ يَنْفُذْ إِلَيْهِمَا شَيْءً » وذكر لنا أنهما كانا لا يصيبان الذنوب كما يصيبها سائر بني آدم . وذكر لنا أن عيسى كان يمشي على البحر كما يمشي على البرّ مما أعطاه الله تعالى من اليقين والإخلاص .
حدثني المثنى ، قال : ثني إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : { وَإِنّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرّيّتَها مِنَ الشّيْطَانِ الرّجِيمِ } قال : إن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم قال : «كُلّ آدَمِيّ طَعَنَ الشّيْطَانُ فِي جَنْبِهِ غَيْرَ عِيسَى وأُمّهِ ، كانا لا يُصِيبانِ الذّنُوبَ كَما يُصَيبُها بَنُو آدَمَ » . قال : وقال عيسى صلى الله عليه وسلم فيما يثني على ربه : «وأعاذني وأمي من الشيطان الرجيم فلم يكن له علينا سبيل » .
حدثنا الربيع بن سليمان ، قال : حدثنا شعيب بن الليث ، قال : حدثنا الليث ، عن جعفر بن ربيعة ، عن عبد الرحمن بن هرمز أنه قال : قال أبو هريرة : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «كُلّ بَنِي آدَمَ يَطْعُنُ الشّيْطَانُ فِي جَنْبِهِ حِينَ تَلِدُهُ أُمّهُ ، إِلاّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ ذَهَبَ يَطْعُنُ فَطَعَنَ فِي الحِجابِ » .
حدثنا الربيع ، قال : حدثنا شعيب ، قال : أخبرنا الليث ، عن جعفر بن ربيعة ، عن عبد الرحمن بن هرمز أنه قال : قال أبو هريرة : أرأيت هذه الصرخة التي يصرخها الصبيّ حين تلده أمه ؟ فإنها منها .
حدثني أحمد بن الفرج ، قال : حدثنا بقية بن الوليد ، قال : حدثنا الزبيدي ، عن الزهري ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «ما مِنْ بَنِي آدَمَ مَوْلُودٌ إِلاّ يَمَسّهُ الشّيْطَانُ حِينَ يُولَدُ يَسْتَهِلّ صَارِخا » .
{ فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى } الضمير لما في بطنها وتأنيثه لأنه كان أنثى ، وجاز انتصاب أنثى حالا عنه لأن تأنيثها علم منه فإن الحال وصاحبها بالذات واحدا . أو على تأويل مؤنث كالنفس والحبلة . وإنما قالته تحسرا وتحزنا إلى ربها لأنها كانت ترجو أن تلد ذكرا ولذلك نذرت تحريره . { والله أعلم بما وضعت } أي بالشيء الذي وضعت . هو استئناف من الله تعالى تعظيما لموضوعها وتجهيلا لها بشأنها . وقرأ ابن عامر وأبو بكر عن عاصم ويعقوب { وضعتُ } على أنه من كلامها تسلية لنفسها أي ولعل الله سبحانه وتعالى فيه سرا ، أو الأنثى كانت خيرا . وقرئ { وضعت } على أنه خطاب الله تعالى لها . { وليس الذكر كالأنثى } بيان لقوله { والله أعلم } أي وليس الذكر الذي طلبت كالأنثى التي وهبت ، واللام فيهما للعهد ويجوز أن يكون من قولها بمعنى وليس الذكر والأنثى سيان فيما نذرت فتكون اللام للجنس . { وإني سميتها مريم } عطف على ما قبلها من مقالها وما بينهما اعتراض ، وإنما ذكرت ذلك لربها تقربا إليه وطلبا لأن يعصمها ويصلحها حتى يكون فعلها مطابقا لاسمها فإن مريم في لغتهم بمعنى : العابدة . وفيه دليل على أن الاسم والمسمى والتسمية أمور متغايرة . { وإني أعيذها بك } أجيرها بحفظك .
{ وذريتها من الشيطان الرجيم } المطرود ، وأصل الرجم الرمي بالحجارة . وعن النبي صلى الله عليه وسلم " ما من مولود يولد إلا والشيطان يمسه حين يولد ، فيستهل من مسه إلا مريم وابنها " . ومعناه أن الشيطان يطمع في إغواء كل مولود يتأثر منه إلا مريم وابنها فإن الله تعالى عصمهما ببركة هذه الاستعاذة .