بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{فَلَمَّا وَضَعَتۡهَا قَالَتۡ رَبِّ إِنِّي وَضَعۡتُهَآ أُنثَىٰ وَٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِمَا وَضَعَتۡ وَلَيۡسَ ٱلذَّكَرُ كَٱلۡأُنثَىٰۖ وَإِنِّي سَمَّيۡتُهَا مَرۡيَمَ وَإِنِّيٓ أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ ٱلشَّيۡطَٰنِ ٱلرَّجِيمِ} (36)

{ فَلَمَّا وَضَعَتْهَا } أي ولدت فإذا هي أنثى { قَالَتْ رَبّ إِنّي وَضَعْتُهَا أنثى } يعني ولدتها جارية { والله أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ } قرأ ابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر ، { والله أعلم بما وَضَعْتُ } ، بجزم العين ، وضم التاء ، يعني أن المرأة قالت : والله أعلم بما وَضَعْتُ ، والباقون بنصب العين وسكون التاء ، فيكون هذا قول الله إنه يعلم بما وضعت تلك المرأة . ثم قال تعالى : { وَلَيْسَ الذكر كالأنثى } في الخدمة .

قال بعضهم : هذا قول الله لمحمد صلى الله عليه وسلم { وليس الذكر كالأنثى } يا محمد . وقال بعضهم : هي كلمة المرأة ، أنها قالت : { وليس الذكر كالأنثى } في الخدمة . وقال مقاتل : فيها تقديم ، فكأنه يقول : قالت رب إني وَضعَتُهَا أُنْثى ، وليس الذكر كالأنثى ، { والله أعلم بما وضعت } ، ثم قالت : { وإني سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ } يعني خادم الرب بلغتهم { وإني أُعِيذُهَا بِكَ } يعني أعصمها وأمنعها بك { وَذُرّيَّتَهَا } إن كان لها ذرية { مِنَ الشيطان الرجيم } يعني الملعون . ويقال : المطرود من رحمة الله . ويقال : { الرجيم } بمعنى المرجوم كما قال : { وجعلناها رُجُوماً للشياطين } [ الملك : 5 ] .

حدثنا أبو الليث ، قال : حدثنا الخليل بن أحمد القاضي . قال : حدثنا أبو العباس قال : حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال : حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : « مَا مِنْ مَوُلُودٍ يُولَدُ إلاَّ والشَّيْطَانُ يَنْخَسُهُ حِينَ يُولَدُ ، فَيَسْتَهِلُّ صَارِخَاً مِنْ الشَّيْطَانِ ، إلاَّ مَرْيَمَ وَاْبْنَها عِيسَى عَلَيْهِما السَّلامُ » ، قال أبو هريرة : اقرؤوا إن شئتم : { وإني أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرّيَّتَهَا مِنَ الشيطان الرجيم } وقال الزجاج : معنى قوله { إِذْ } يعني إن الله اختار آل عمران ، { إِذْ قَالَتِ امرأت عمران } : واصطفاهم ، إذ قالت الملائكة .

وقال أبو عبيدة : معناه قالت امرأة عمران ، وقالت الملائكة و«إذ » زيادة . وقال الأخفش : معناه واذكر إذ قالت امرأة عمران ، واذكر إذ قالت الملائكة ، وقال أهل اللغة : المحرر والعتيق في اللغة بمعنى واحد .