الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{فَلَمَّا وَضَعَتۡهَا قَالَتۡ رَبِّ إِنِّي وَضَعۡتُهَآ أُنثَىٰ وَٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِمَا وَضَعَتۡ وَلَيۡسَ ٱلذَّكَرُ كَٱلۡأُنثَىٰۖ وَإِنِّي سَمَّيۡتُهَا مَرۡيَمَ وَإِنِّيٓ أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ ٱلشَّيۡطَٰنِ ٱلرَّجِيمِ} (36)

وكانوا إنما يحررون الغلمان ، فظنت أنها تلد غلاماً فلما وضعت أنثى قالت : ( رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى ) تريد أنه إنما يحرر الغلمان للخدمة( {[9801]} ) .

وقيل المعنى إن الأنثى تحيض فلا تصلح لخدمة بيتك( {[9802]} ) .

ثم دعت لها فقالت : ( وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ) فاستجاب الله لها وأعاذها وذريتها منه . وأصل المعاذ : الملجأ والمفعل( {[9803]} ) ، والهاء في " وضعتها لما على المعنى( {[9804]} ) .

وقيل : لمريم ولم يجر لها ذكر ولكن المعنى مفهوم فحسن( {[9805]} ) . ومن قرأ ( وَضَعَتْ ) بإسكان التاء( {[9806]} ) ففي الكلام تقديم وتأخير تقديره : ( قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى ) ( وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى ) فهذا من كلامها ، ثم قال تعالى إخباراً منه ( وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ ) .

ومن قرأ بضم التاء( {[9807]} ) فليس فيه تقديم ولا تأخير وهذا كله من كلام أم مريم .

وقرأ( {[9808]} ) ابن عباس : " وضعتِ " بكسر التاء( {[9809]} ) ومعْناه إنه خطاب من الله لها .

قال ابن عباس : ما ولد مولود إلا قد استهل سوى( {[9810]} ) عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم فإنه لم يسلط عليه الشيطان لأن الله أجاب دعاء أم مريم في قولها : ( وَإِنِّيَ أُعِيذُهَا بِكَ ) الآية( {[9811]} ) .

قال وهب بن منبه( {[9812]} ) : لما ولد عيسى صلى الله عليه وسلم( {[9813]} ) أتت الشياطين إبليس فقالوا : أصبحت الأصنام قد انكسرت رؤوسها ! فقال : هذا في حادث حدث ، فقال : مكانكم ، وطار حتى جاء خافقي الأرض فلم يجد شيئاً ، ثم جاء البحار فلم يجد شيئاً ، ثم طار ثانية فوجد عيسى صلى الله عليه وسلم قد ولد عند مدوذ حمار( {[9814]} ) ، والملائكة قد حفت به ، فرجع إليهم فقال لهم : إن نبياً قد ولد البارحة ما حملت أنثى قط ولا وضعت إلا أنا( {[9815]} ) بحضرتها( {[9816]} ) إلا هذه ، فيئسوا أن تعبد الأصنام بعد هذه الليلة ، ولكن ائتوا بني آدم من قبل الخفة والعجلة( {[9817]} ) .

وقال النبي عليه السلام " كل آدمي طعن الشيطان في جلده إلا عيسى ابن مريم وأمه جعل بينها وبينه حجاب فأصابت الطعنة الحجاب ولم ينفذ إليهما( {[9818]} ) شيء( {[9819]} ) .

وروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما من مولود يولد إلا والشيطان يمسه حين يولد فيستهل صارخاً من لمس الشيطان إياه إلا مريم وابنها ( ثم )( {[9820]} ) يقول أبو هريرة : واقرأوا إن شئتم ( وَإِنِّيَ أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ )( {[9821]} ) .


[9801]:- انظر: جامع البيان 3/237-238.
[9802]:- انظر: المصدر السابق.
[9803]:- انظر: المفردات 365 واللسان (عوذ) 1/152.
[9804]:- كذا في كل النسخ والمعنى غير ظاهر، ويوضحه قول المكي في كتاب المشكل 1/156 "والهاء في وضعتها تعود على ما، ومعناها التأنيث، انظر: أيضاً البيان في غريب الإعراب 1/201.
[9805]:- إعراب النحاس 1/325.
[9806]:- هي قراءة ابن كثير ونافع، وابن عمرو وحمزة، والكناني.
[9807]:- هي قراءة عاصم في رواية أبي بكر وابن عامر ويعقوب، وهي قراءة بعيدة، انظر: السبعة، 204، والحجة 108 وحجة القراءات 160، والكشف 1/204 والعنوان 79.
[9808]:- (أ): قال.
[9809]:- هي قراءة شاذة انظر: مختصر الشواذ 20 والكشف 1/240 والبحر 2/439.
[9810]:- (ب) و(ج) و(د): إلا.
[9811]:- انظر: جامع البيان 3/240 قال المدقق: ولم يروه غير الطبري، ولم ينسبه السيوطي لغيره في الدر المنثور.
[9812]:- وهب بن منبه بن كامل اليماني الصنعاني توفي 114 هـ من التابعين وَلِيَ قضاء اليمن، وله اهتمام بالأخبار وثقه النسائي وابن حبان، انظر: تاريخ الثقات 467، وطبقات الشيرازي 66 والتهذيب 11/166.
[9813]:- عيسى صلى الله على محمد صلى الله عليه وسلم.
[9814]:- المدوذ معلف الدابة، اللسان (ذود) 3/168.
[9815]:- (ء): أنا المحو.
[9816]:- (أ): بحضرة ضتها، ولعله من عمل الناسخ.
[9817]:- انظر: جامع البيان 3/240 والدر المنثور 2/84.
[9818]:- (أ): إليها.
[9819]:- أخرجه البخاري بلفظ قريب منه في كتاب بدء الخلق 4/138، وكتاب التفسير 5/166، ومسلم في كتاب الفضائل باب فضائل عيسى 7/96.
[9820]:- ساقط من (د).
[9821]:- أخرجه البخاري مرفوعاً للنبي صلى الله عليه وسلم في كتاب التفسير باب وإني أعيذها 5/166. والطبراني في الصغير 1/19.