لطائف الإشارات للقشيري - القشيري  
{فَلَمَّا وَضَعَتۡهَا قَالَتۡ رَبِّ إِنِّي وَضَعۡتُهَآ أُنثَىٰ وَٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِمَا وَضَعَتۡ وَلَيۡسَ ٱلذَّكَرُ كَٱلۡأُنثَىٰۖ وَإِنِّي سَمَّيۡتُهَا مَرۡيَمَ وَإِنِّيٓ أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ ٱلشَّيۡطَٰنِ ٱلرَّجِيمِ} (36)

المُحَرَّرُ الذي ليس في رِقِّ شيء من المخلوقات ، حرَّرَه الحق سبحانه في سابق حكمه عن رق الاشتغال بجميع الوجوه والأحوال . فلمَّا نذرت أمُّ مريم ذلك ، ووضعتها أنثى خَجِلت ، فلمَّا رأتها قالت { رَبِّ إني وَضَعْتُهَا أُنْثَى } وهي لا تصلح أن تكون محرراً فقال تعالى : { وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ } ولعمري ليس الذكر كالأنثى في الظاهر ، ولكن إذا تَقَبَّلَها الحقُّ - سبحانه وتعالى - طلع عنها كل أعجوبة .

ولما قالت { إني نَذَرْتُ لَكَ مَا في بطني مُحَرَّرًا } قالت { فَتَقَبَّلْ مِنِّى } فاستجاب ، وظهرت آثار القبول عليها وعلى ابنها ، ونجا بحديثها عَالَمٌ وَهَلَكَ بسببها عَالَمٌ ، ووقعت الفتنة لأجلهما في عَالَم .

قالت : { وإني سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وإني أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ } استجارت بالله من أن يكون للشيطان في حديثها شيء بما هو الأسهل ، لتمام ما هم به من أحكام القلوب .