الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{فَلَمَّا وَضَعَتۡهَا قَالَتۡ رَبِّ إِنِّي وَضَعۡتُهَآ أُنثَىٰ وَٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِمَا وَضَعَتۡ وَلَيۡسَ ٱلذَّكَرُ كَٱلۡأُنثَىٰۖ وَإِنِّي سَمَّيۡتُهَا مَرۡيَمَ وَإِنِّيٓ أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ ٱلشَّيۡطَٰنِ ٱلرَّجِيمِ} (36)

33

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن عساكر عن عكرمة قال : اسم أم مريم حنة .

وأخرج الحاكم عن أبي هريرة قال : حنة ولدت مريم أم عيسى .

وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { نذرت لك ما في بطني محررا } قال : كانت نذرت أن تجعله في الكنيسة يتعبد بها ، وكانت ترجو أن يكون ذكرا .

وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في الآية قال : نذرت أن تجعله محررا للعبادة .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { محررا } قال : خادما للبيعة .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من وجه آخر عن مجاهد في قوله { محررا } قال : خالصا لا يخالطه شيء من أمر الدنيا .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في الآية قال : كانت امرأة عمران حررت لله ما في بطنها ، وكانوا إنما يحررون الذكور ، وكان المحرر إذا حرر جعل في الكنيسة لا يبرحها ، يقوم عليها ويكنسها ، وكانت المرأة لا تستطيع أن تصنع بها ذلك لما يصيبها من الأذى ، فعند ذلك قالت { وليس الذكر كالأنثى } .

وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير { محررا } قال : جعلته لله والكنيسة فلا يحال بينه وبين العبادة .

وأخرج ابن المنذر عن الضحاك قال : كانت المرأة في زمان بني إسرائيل إذا ولدت غلاما أرضعته حتى إذا أطاق الخدمة دفعته إلى الذين يدرسون الكتب ، فقالت : هذا محرر لكم يخدمكم .

وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن عكرمة قال : إن امرأة عمران كانت عجوزا عاقرا تسمى ، حنة ، وكانت لا تلد ، فجعلت تغبط النساء لأولادهن فقالت : اللهم إن علي نذرا شكرا إن رزقتني ولدا أن أتصدق به على بيت المقدس ، فيكون من سدنته وخدامه { فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى . . وليس الذكر كالأنثى } يعني في المحيض ولا ينبغي لامرأة أن تكون مع الرجال ، ثم خرجت أم مريم تحملها في خرقتها إلى بني الكاهن ابن هارون أخي موسى قال : وهم يومئذ يلون من بيت المقدس ما يلي الحجبة من الكعبة فقالت لهم : دونكم هذه النذيرة فإني حررتها وهي ابنتي ولا يدخل الكنيسة حائض ، وأنا لا أردها إلى بيتي فقالوا : هذه ابنة إمامنا - وكان عمران يؤمهم في الصلاة - فقال زكريا : ادفعوها إلي فإن خالتها تحتي فقالوا : لا تطيب أنفسنا بذلك . فذلك حين اقترعوا عليها بالأقلام التي يكتبون بها التوراة ، فقرعهم زكريا فكفلها .

وأخرج سعيد بن منصور عن ابن عباس أنه كان يقرأ { والله أعلم بما وضعت } .

وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك أنه قرأ { بما وضعتُ } برفع التاء .

وأخرج عبد بن حميد عن عاصم بن أبي النجود أنه كان يقرؤها برفع التاء .

وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن سفيان بن حسين { والله أعلم بما وضعت } قال : على وجه الشكاية إلى الرب تبارك وتعالى .

وأخرج عبد بن حميد عن الأسود أنه كان يقرؤها { والله أعلم بما وضعَت } بنصب العين .

وأخرج عبد بن حميد عن إبراهيم أنه كان يقرؤها { والله أعلم بما وضعَت } بنصب العين .

أما قوله تعالى { وإني أعيذها } الآية .

أخرج عبد الرزاق وأحمد والبخاري ومسلم وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي هريرة قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما من مولود يولد إلا والشيطان يمسه حين يولد ، فيستهل صارخا من مس الشيطان إياه ، إلا مريم وابنها " ثم قال أبو هريرة : واقرأوا إن شئتم { وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم } .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير والحاكم وصححه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كل مولود من ولد آدم له طعنة من الشيطان وبها يستهل الصبي ، إلا ما كان من مريم بنت عمران وولدها ، فإن أمها قالت حين وضعتها { وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم } فضرب بينهما حجاب ، فطعن في الحجاب " .

وأخرج ابن جرير عن أبي هريرة قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما من مولود يولد إلا وقد عصره الشيطان عصرة أو عصرتين إلا عيسى بن مريم ومريم ، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم { وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم } " .

وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : ما ولد مولود إلا قد استهل غير المسيح ابن مريم لم يسلط عليه الشيطان ولم ينهزه .

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن عساكر عن وهب بن منبه قال : لما ولد عيسى عليه السلام أتت الشياطين إبليس فقالوا : أصبحت الأصنام قد نكست رؤوسها فقال : هذا حدث مكانكم ، فطار حتى جاب خافقي الأرض فلم يجد شيئا ، ثم جاء البحار فلم يقدر على شيء ، ثم طار أيضا فوجد عيسى عليه السلام قد ولد عند مدود حمار ، وإذا الملائكة قد حفت حوله ، فرجع إليهم فقال إليهم فقال : إن نبيا قد ولد البارحة ما حملت أنثى قط ولا وضعت إلا وأنا بحضرتها إلا هذا . فأيسوا أن تعبد الأصنام بعد هذه الليلة ولكن ائتوا بني آدم من قبل الخفة والعجلة .

وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله { وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم } قال : " ذكر لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : كل بني آدم طعن الشيطان في جنبه إلا عيسى ابن مريم وأمه ، جعل بينهما وبينه حجاب فأصابت الطعنة الحجاب ولم ينفذ إليهما شيء . وذكر لنا أنهما كانا لا يصيبان الذنوب كما يصيبه سائر بني آدم .

وذكر لنا أن عيسى عليه السلام كان يمشي على البحر كما يمشي على البر ، مما أعطاه الله من اليقين والإخلاص " .

وأخرج ابن جرير عن الربيع { وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم } قال : " إن النبي صلى الله عليه وسلم قال : كل آدمي طعن الشيطان في جنبه غير عيسى وأمه كانا لا يصيبان الذنوب كما يصيبها بنو آدم . قال : وقال عيسى صلى الله عليه وسلم فيما يثني على ربه : وأعاذني وأمي من الشيطان الرجيم فلم يكن له علينا سبيل " .

وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس قال : لولا أنها قالت { وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم } إذن لم تكن لها ذرية .