قوله تعالى : { ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن } ، نزلت في جماعة من المنافقين كانوا يؤذون النبي صلى الله عليه وسلم ، ويقولون ما لا ينبغي ، فقال بعضهم : لا تفعلوا ، فإنا نخاف أن يبلغه ما تقولون فيقع بنا . فقال الجلاس بن سويد منهم : بل نقول ما شئنا ، ثم نأتيه فننكر ما قلنا ، ونحلف فيصدقنا بما نقول ، فإنما محمد أذن ، أي : أذن سامعه ، يقال : فلان أذن وأذنة على وزن فعله إذا كان يسمع كل ما قيل له ويقبله ، وأصله من أذن يأذن أذنا أي : استمع . وقيل : هو أذن أي : ذو أذن سامعة . وقال محمد بن إسحاق بن يسار : نزلت في رجل من المنافقين يقال له نبتل بن الحارث ، وكان رجلا أزنم ، ثائر شعر الرأس ، أحمر العينين ، أسفع الخدين ، مشوه الخلقة ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : " من أحب أن ينظر إلى الشيطان فلينظر إلى نبتل بن الحارث " . وكان ينم حديث النبي صلى الله عليه وسلم إلى المنافقين ، فقيل له : لا تفعل ، فقال : إنما محمد أذن فمن حدثه شيئا صدقه ، فتقول ما شئنا ، ثم نأتيه ونحلف بالله فيصدقنا ، فأنزل الله تعالى هذه الآية . قوله تعالى : { قل أذن خير لكم } ، قرأه العامة بالإضافة ، أي : مستمع خير وصلاح لكم ، لا مستمع شر وفساد . وقرأ الأعمش و البرجمي عن أبي بكر : " أذن خير لكم " ، مرفوعين منونين ، يعني : أن يسمع منكم ويصدقكم خير لكم من أن يكذبكم ولا يقبل قولكم ، ثم كذبهم فقال : { يؤمن بالله } ، أي : لا ، بل يؤمن بالله ، { ويؤمن للمؤمنين } ، أي : يصدق المؤمنين ويقبل منهم لا من المنافقين . يقال : أمنته وأمنت له بمعنى صدقته . { ورحمة } ، قرأ حمزة : { ورحمة } بالخفض على معنى أذن خير لكم ، وأذن رحمة ، وقرأ الآخرون : { ورحمة } بالرفع ، أي : هو أذن خير ، وهو رحمة { للذين آمنوا منكم } ، لأنه كان سبب إيمان المؤمنين .
{ 61 - 63 } { وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ *يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ * أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ }
أي : ومن هؤلاء المنافقين { الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ } بالأقوال الردية ، والعيب له ولدينه ، { وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ } أي : لا يبالون بما يقولون من الأذية للنبي ، ويقولون : إذا بلغه عنا بعض ذلك ، جئنا نعتذر إليه ، فيقبل منا ، لأنه أذن ، أي : يقبل كل ما يقال له ، لا يميز بين صادق وكاذب ، وقصدهم -قبحهم اللّه- فيما بينهم ، أنهم غير مكترثين بذلك ، ولا مهتمين به ، لأنه إذا لم يبلغه فهذا مطلوبهم ، وإن بلغه اكتفوا بمجرد الاعتذار الباطل .
فأساءوا كل الإساءة من أوجه كثيرة ، أعظمها أذية نبيهم الذي جاء لهدايتهم ، وإخراجهم من الشقاء والهلاك إلى الهدى والسعادة .
ومنها : عدم اهتمامهم أيضا بذلك ، وهو قدر زائد على مجرد الأذية .
ومنها : قدحهم في عقل النبي صلى الله عليه وسلم ، وعدم إدراكه وتفريقه بين الصادق والكاذب ، وهو أكمل الخلق عقلا ، وأتمهم إدراكا ، وأثقبهم رأيا وبصيرة ، ولهذا قال تعالى : { قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ } أي : يقبل من قال له خيرا وصدقا .
وأما إعراضه وعدم تعنيفه لكثير من المنافقين المعتذرين بالأعذار الكذب ، فلسعة خلقه ، وعدم اهتمامه بشأنهم{[373]} ، وامتثاله لأمر اللّه في قوله : { سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ }
وأما حقيقة ما في قلبه ورأيه ، فقال عنه : { يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ } الصادقين المصدقين ، ويعلم الصادق من الكاذب ، وإن كان كثيرا ما يعرض عن الذين يعرف كذبهم وعدم صدقهم ، { وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ } فإنهم به يهتدون ، وبأخلاقه يقتدون .
وأما غير المؤمنين فإنهم لم يقبلوا هذه الرحمة بل ردوها ، فخسروا دنياهم وآخرتهم ، { وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ } بالقول أو الفعل { لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } في الدنيا والآخرة ، ومن العذاب الأليم أنه يتحتم قتل مؤذيه وشاتمه .
وبعد بيان قواعد الصدقات ، التي يرجع إليها التوزيع والتقسيم . ذلك البيان الذي يكشف عن جهل الذين يلمزون الرسول - [ ص ] - فوق سوء أدبهم حين يلمزون الرسول الأمين . بعد هذا يمضي السياق يعرض صنوف المنافقين ، وما يقولون وما يفعلون :
( ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون : هو أذن . قل : إذن خير لكم يؤمن باللّه ويؤمن للمؤمنين ، ورحمة للذين آمنوا منكم ، والذين يؤذون رسول اللّه لهم عذاب أليم . يحلفون باللّه لكم ليرضوكم ، واللّه ورسوله أحق أن يرضوه إن كانوا مؤمنين . ألم يعلموا أنه من يحادد اللّه ورسوله فان له نار جهنم خالداً فيها . ذلك الخزي العظيم . يحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة تنبئهم بما في قلوبهم . قل : استهزئوا إن اللّه مخرج ما تحذرون . ولئن سألتهم ليقولن : إنما كنا نخوض ونلعب . قل : أباللّه وآياته ورسوله كنتم تستهزئون ? لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم ؛ إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين ) . .
إنه سوء الأدب في حق الرسول ، يبدو في صورة أخرى غير صورة اللمز في الصدقات . إنهم يجدون من النبي - [ ص ] - أدباً رفيعاً في الاستماع إلى الناس بإقبال وسماحة ؛ ويعاملهم بظاهرهم حسب أصول شريعته ؛ ويهش لهم ويفسح لهم من صدره . فيسمون هذا الأدب العظيم بغير اسمه ، ويصفونه بغير حقيقته ، ويقولون عن النبي - [ ص ] - ( هو أذن )أي سماع لكل قول ، يجوز عليه الكذب والخداع والبراعة ، ولا يفطن إلى غش القول وزوره . من حلف له صدقه ، ومن دس عليه قولاً قبله . يقولون هذا بعضهم لبعض تطميناً لأنفسهم أن يكشف النبي - [ ص ] - حقيقة أمرهم ، أو يفطن إلى نفاقهم . أو يقولونه طعناً على النبي في تصديقه للمؤمنين الخلص الذين ينقلون له ما يطلعون عليه من شؤون المنافقين وأعمالهم وأقوالهم عن الرسول وعن المسلمين . وقد وردت الروايات بهذا وذلك في سبب نزول الآية . وكلاهما يدخل في عمومها . وكلاهما يقع من المنافقين .
ويأخذ القرآن الكريم كلامهم ليجعل منه رداً عليهم :
أذن خير يستمع إلى الوحي ثم يبلغه لكم وفيه خيركم وصلاحكم . وأذن خير يستمع إليكم في أدب ولا يجبهكم بنفاقكم ، ولا يرميكم يخادعكم ، ولا يأخذكم بريائكم .
فيصدق كل ما يخبره به عنكم وعن سواكم .
فيطمئن إليهم ويثق بهم ، لأنه يعلم منهم صدق الإيمان الذي يعصمهم من الكذب والالتواء والرياء .
( ورحمة للذين آمنوا منكم ) . .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَمِنْهُمُ الّذِينَ يُؤْذُونَ النّبِيّ وَيِقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لّكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لّلّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَالّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } .
يقول تعالى ذكره : ومن هؤلاء المنافقين جماعة يؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعيبونه ، ويقولون : هو أذن سامعة ، يسمع من كلّ أحد ما يقول فيقبله ويصدّقه . وهو من قولهم : رجل أذنة مثل فعلة : إذا كان يسرع الاستماع والقبول ، كما يقال : هو يَقَنٌ ويَقِنٌ : إذا كان ذا يقين بكلّ ما حدّث . وأصله من أذِنَ له يأْذَنُ : إذا استمع له ، ومنه الخبر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم : «ما أذِنَ اللّهُ لِشَيْءٍ كأَذَنِهِ لِنَبيّ يَتَغَنّى بالقُرآنِ » ومنه قول عديّ بن زيد :
أيّها القَلْبُ تَعَلّلْ بِدَدَنْ *** إنّ هَمّي فِي سَماعٍ وأَذَنْ
وذكر أن هذه الآية نزلت في نبتل بن الحرث .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : ذكر الله عيبهم ، يعني المنافقين ، وأذاهم للنبيّ صلى الله عليه وسلم ، فقال : وَمِنْهُمُ الّذِينَ يُؤذُونَ النّبِيّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ . . . الآية ، وكان الذي يقول تلك المقالة فيما بلغني نبتل بن الحرث أخو بني عمرو بن عوف ، وفيه نزلت هذه الآية ، وذلك أنه قال : إنما محمد أذُن ، من حدّثه شيئا صدّقه يقول الله : قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ : أي يستمع الخير ويصدّق به .
واختلف القرّاء في قراءة قوله : قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ فقرأ ذلك عامة قرّاء الأمصار : قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ بإضافة الأذن إلى الخير ، يعني : قل لهم يا محمد : هو أذن خير لا أذن شرّ . وذُكر عن الحسن البصري أنه قرأ ذلك : «قُلْ أُذُنٌ خَيْرٌ لَكُمْ » بتنوين «أذن » ، ويصير «خير » خبرا له ، بمعنى : قل من يسمع منكم أيها المنافقون ما تقولون ويصدّقكم إن كان محمد كما وصفتموه من أنكر إذا آذيتموه فأنكرتم ما ذكر له عنكم من أذاكم إياه وعيبكم له سمع منكم وصدّقكم ، خير لكم من أن يكذبكم ولا يقبل منكم ما تقولون . ثم كذّبهم فقال : بل لا يقبل إلا من المؤمنين ، يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَيُؤْمِنُ لِلمُؤْمِنِينَ .
قال أبو جعفر : والصواب من القراءة عندي في ذلك ، قراءة من قرأ : قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ بإضافة «الأذن » إلى «الخير » ، وخفض «الخير » ، يعني : قل هو أذن خير لكم ، لا أذن شرّ .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني المثنى ، قال : ثني عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : وَمِنْهُمُ الّذِينَ يُؤذُونَ النّبِيّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ يسمع من كل أحد .
حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَمِنْهُمُ الّذِينَ يُؤذُونَ النّبِيّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قال : كانوا يقولون : إنما محمد أذن لا يحدّث عنا شيئا إلا هو أذن يسمع ما يقال له .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ابن نمير ، عن ورقاء ، عن ابن نجيح ، عن مجاهد : وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ نقول ما شئنا ، ونحلف فيصدّقنا .
حدثنا محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : هُوَ أُذُنٌ قال : يقولون : نقول ما شئنا ، ثم نحلف له فيصدّقنا .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، نحوه .
وأما قوله : يُؤْمِنُ باللّهِ فإنه يقول : يصدّق بالله وحده لا شريك له . وقوله : وَيُؤْمِنُ لِلمُؤْمِنِينَ يقول : ويصدّق المؤمنين لا الكافرين ولا المنافقين . وهذا تكذيب من الله للمنافقين الذين قالوا : محمد أذن ، يقول جلّ ثناؤه : إنما محمد صلى الله عليه وسلم مستمع خير ، يصدّق بالله وبما جاءه من عنده ، ويصدّق المؤمنين لا أهل النفاق والكفر بالله . وقيل : ويُؤْمِنُ للمُؤْمِنِينَ معناه : ويؤمن المؤمنين ، لأن العرب تقول فيما ذكر لنا عنها : آمنت له وآمنته ، بمعنى : صدّقته ، كما قيل : رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الّذِي تَسْتَعْجِلُونَ ومعناه : ردفكم ، وكما قال : للّذِينَ هُمْ لِربّهِمْ يَرْهَبُونَ ومعناه : للذين هم ربهم يرهبون .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني المثنى ، قال : ثني عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس : يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَيُؤْمِنُ لِلمُؤْمِنِينَ يعني : يؤمن بالله ويصدّق المؤمنين .
وأما قوله : وَرَحْمَةٌ للّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ فإنّ القرّاء اختلفت في قراءته ، فقرأ ذلك عامة الأمصار : وَرَحْمَةٌ للّذِينَ آمَنُوا بمعنى : قل هو أذن خير لكم ، وهو رحمة للذين آمنوا منكم . فرفع «الرحمة » عطفا بها على «الأذن » . وقرأه بعض الكوفيين : «وَرَحْمَةٍ » عطفا بها على «الخير » ، بتأويل : قل أذن خير لكم ، وأذن رحمة .
قال أبو جعفر : وأولى القراءتين بالصواب في ذلك عندي قراءة من قرأ وَرَحْمَةٌ بالرفع عطفا بها على «الأذن » ، بمعنى : وهو رحمة للذين آمنوا منكم ، وجعله الله رحمة لمن اتبعه واهتدى بهداه وصدّق بما جاء به من عند ربه ، لأن الله استنقذهم به من الضلالة وأورثهم باتباعه جناته .
القول في تأويل قوله تعالى : والّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ ألِيم .
يقول تعالى ذكره : لهؤلاء المنافقين الذين يعيبون رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويقولون : هو أذن وأمثالهم من مكذّبيه ، والقائلين فيه الهجر والباطل ، عذاب من الله موجع لهم في نار جهنم .
{ ومنهم الذين يُؤذون النبيّ ويقولون هو أُذُنٌ } يسمع كل ما يقال له ويصدقه ، سمي بالجارحة للمبالغة كأنه من فرط استماعه صار جملته آلة السماع كما سمي الجاسوس عينا لذلك ، أو اشتق له فعل من أذن أذناً إذا استمع كأنف وشلل . روي أنهم قالوا محمد أذن سامعه نقول ما شئنا ثم تأتيه فيصدقنا بما نقول . { قل أُذنٌ خير لكم } تصديق لهم بأنه أذن ولكن لا على الوجه الذي ذموا به بل من حيث أنه يسمع الخير ويقبله ، ثم فسر ذلك بقوله : { يؤمن بالله } يصدق به لما قام عنده من الأدلة . { ويؤمن للمؤمنين } ويصدقهم لما علم من خلوصهم ، واللام مزيدة للتفرقة بين إيمان التصديق فإنه بمعنى التسليم وإيمان الأمان . { ورحمة } أي وهو رحمة . { للذين آمنوا منكم } لمن أظهر الإيمان حيث يقبله ولا يكشف سره ، وفيه تنبيه عل أنه ليس يقبل قولكم جهلا بحالكم بل رفقا بكم وترحما عليكم . وقرأ حمزة { ورحمة } بالجر عطفا على { خير } . وقرئ بالنصب على أنها علة فعل دل عليه { أُذنَ خير } أي يأذن لكم رحمة . وقرأ نافع { أذن } بالتخفيف فيهما . وقرئ { أذن خير } على أن { خير } صفة له أو خبر ثان { والذين يُؤذون رسول الله لهم عذاب أليم } بإيذائه .