معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرۡسِلَ بِٱلۡأٓيَٰتِ إِلَّآ أَن كَذَّبَ بِهَا ٱلۡأَوَّلُونَۚ وَءَاتَيۡنَا ثَمُودَ ٱلنَّاقَةَ مُبۡصِرَةٗ فَظَلَمُواْ بِهَاۚ وَمَا نُرۡسِلُ بِٱلۡأٓيَٰتِ إِلَّا تَخۡوِيفٗا} (59)

قوله عز وجل : { وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون } ، قال ابن عباس : " سأل أهل مكة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعل لهم الصفا ذهباً وأن ينحي الجبال عنهم فيزرعوا ، فأوحى الله تعالى إلى رسوله صلى الله عليه وسلم : إن شئت أن أستأني بهم فعلت ، وإن شئت أن أوتيهم ما سألوا فعلت ، فإن لم يؤمنوا أهلكتهم كما أهلكت من كان قبلهم من الأمم فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لا بل تستأني بهم " ، فأنزل الله عز وجل : { وما منعنا أن نرسل بالآيات } التي سألها كفار قومك إلا أن كذب بها الأولون فأهلكناهم ، فإن لم يؤمن قومك بعد إرسال الآيات أهلكتهم ، لأن من سنتنا في الأمم إذا سألوا الآيات ، ثم لم يؤمنوا بعد إتيانها ، أن نهلكهم ولا نمهلهم ، وقد حكمنا بإمهال هذه الأمة في العذاب ، فقال جل ذكره : { بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر } [ القمر – 46 ] ثم قال : { وآتينا ثمود الناقة مبصرةً } ، مضيئة بينة ، { فظلموا بها } ، أي : جحدوا بها أنها من عند الله كما قال : { بما كانوا بآياتنا يظلمون } [ الأعراف – 9 ] أي : يجحدون . وقيل : ظلموا أنفسهم بتكذيبها يريد فعاجلناهم بالعقوبة . { وما نرسل بالآيات } أي : العبر والدلالات ، { إلا تخويفاً } ، للعباد ليؤمنوا . قال قتادة : إن الله تعالى يخوف الناس بما شاء من آياته لعلهم يرجعون .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرۡسِلَ بِٱلۡأٓيَٰتِ إِلَّآ أَن كَذَّبَ بِهَا ٱلۡأَوَّلُونَۚ وَءَاتَيۡنَا ثَمُودَ ٱلنَّاقَةَ مُبۡصِرَةٗ فَظَلَمُواْ بِهَاۚ وَمَا نُرۡسِلُ بِٱلۡأٓيَٰتِ إِلَّا تَخۡوِيفٗا} (59)

يذكر تعالى رحمته بعدم إنزاله الآيات التي يقترح بها المكذبون ، وأنه ما منعه أن يرسلها إلا خوفا من تكذيبهم لها ، فإذا كذبوا بها عاجلهم العقاب وحل بهم من غير تأخير كما فعل بالأولين الذين كذبوا بها .

ومن أعظم الآيات الآية التي أرسلها الله إلى ثمود وهي الناقة العظيمة الباهرة التي كانت تصدر عنها جميع القبيلة بأجمعها ومع ذلك كذبوا بها فأصابهم ما قص الله علينا في كتابه ، وهؤلاء كذلك لو جاءتهم الآيات الكبار لم يؤمنوا ، فإنه ما منعهم من الإيمان خفاء ما جاء به الرسول واشتباهه هل هو حق أو باطل ؟ فإنه قد جاء من البراهين الكثيرة ما دل على صحة ما جاء به الموجب لهداية من طلب الهداية فغيرها مثلها فلا بد أن يسلكوا بها ما سلكوا بغيرها فترك إنزالها والحالة هذه خير لهم وأنفع .

وقوله : { وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا } أي : لم يكن القصد بها أن تكون داعية وموجبة للإيمان الذي لا يحصل إلا بها ، بل المقصود منها التخويف والترهيب ليرتدعوا عن ما هم عليه .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرۡسِلَ بِٱلۡأٓيَٰتِ إِلَّآ أَن كَذَّبَ بِهَا ٱلۡأَوَّلُونَۚ وَءَاتَيۡنَا ثَمُودَ ٱلنَّاقَةَ مُبۡصِرَةٗ فَظَلَمُواْ بِهَاۚ وَمَا نُرۡسِلُ بِٱلۡأٓيَٰتِ إِلَّا تَخۡوِيفٗا} (59)

58

وقد كانت الخوارق تصاحب الرسالات لتصديق الرسل وتخويف الناس من عاقبة التكذيب وهي الهلاك بالعذاب . ولكن لم يؤمن بهذه الخوارق إلا المستعدة قلوبهم للإيمان ؛ أما الجاحدون فقد كذبوا بها في زمانهم . ومن هنا جاءت الرسالة الأخيرة غير مصحوبة بهذه الخوارق :

( وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون . وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها . وما نرسل بالآيات إلا تخويفا ) .

إن معجزة الإسلام هي القرآن . وهو كتاب يرسم منهجا كاملا للحياة . ويخاطب الفكر والقلب ، ويلبي الفطرة القويمة . ويبقى مفتوحا للأجيال المتتابعة تقرؤه وتؤمن به إلى يوم القيامة . أما الخارقة المادية فهي تخاطب جيلا واحدا من الناس ، وتقتصر على من يشاهدها من هذا الجيل .

على أن كثرة من كانوا يشاهدون الآيات لم يؤمنوا بها . وقد ضرب السياق المثل بثمود ، الذين جاءتهم الناقة وفق ما طلبوا واقترحوا آية واضحة . فظلموا بها أنفسهم وأوردوها موارد الهلكة تصديقا لوعد الله بإهلاك المكذبين بالآية الخارقة . وما كانت الآيات إلا إنذارا أو تخويفا بحتمية الهلاك بعد مجيء الآيات .

هذه التجارب البشرية اقتضت أن تجيء الرسالة الأخيرة غير مصحوبة بالخوارق . لأنها رسالة الأجيال المقبلة جميعها لا رسالة جيل واحد يراها . ولأنها رسالة الرشد البشري تخاطب مدارك الإنسان جيلا بعد جيل ، وتحترم إدراكه الذي تتميز به بشريته والذي من أجله كرمه الله على كثير من خلقه .