{ وَمَا مَنَعَنَا أَن نُرْسِلَ بالآيات وَلاَ أَن كَذَّبَ بِهَا الأولون } قال المفسرون : إن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعل لهم الصفا ذهباً وأن ينحي عنهم جبال مكة ، فأتاه جبريل فقال : إن شئت كان ما سأل قومك ، ولكنهم إن لم يؤمنوا بها يمهلوا وإن شئت استأنيت بهم ، فأنزل الله هذه الآية . والمعنى : وما منعنا من إرسال الآيات التي سألوها إلاّ تكذيب الأوّلين ، فإن أرسلناها وكذب بها هؤلاء عوجلوا ولم يمهلوا كما هو سنّة الله سبحانه في عباده ، فالمنع مستعار للترك ، والاستثناء مفرّغ من أعمّ الأشياء ، أي : ما تركنا إرسالها لشيء من الأشياء إلاّ تكذيب الأوّلين ، فإن كذب بها هؤلاء كما كذب بها أولئك لاشتراكهم في الكفر والعناد حلّ بهم ما حلّ بهم ، و«أن » الأولى في محل نصب [ بإيقاع ] المنع عليها ، و«أن » الثانية في محل رفع ، والباء في { بالآيات } زائدة . والحاصل : أن المانع من إرسال الآيات التي اقترحوها هو أن الاقتراح مع التكذيب موجب للهلاك الكلي وهو الاستئصال ، وقد عزمنا على أن نؤخر أمر من بعث إليهم محمد إلى يوم القيامة ؛ وقيل : معنى الآية : إن هؤلاء الكفار من قريش ونحوهم مقلدون لآبائهم فلا يؤمنون ألبتة كما لم يؤمن أولئك ، فيكون إرسال الآيات ضائعاً ، ثم إنه سبحانه استشهد على ما ذكر بقصة صالح وناقته ، فإنهم لما اقترحوا عليه ما اقترحوا من الناقة وصفتها التي قد بينت في محل آخر ، وأعطاهم الله ما اقترحوا فلم يؤمنوا استؤصلوا بالعذاب . وإنما خصّ قوم صالح بالاستشهاد ، لأن آثار إهلاكهم في بلاد العرب قريبة من قريش وأمثالهم يبصرها صادرهم وواردهم فقال : { وآتينا ثمود الناقة مبصرة } أي : ذات إبصار يدركها الناس بأبصارهم كقوله : { وجعلنا آية النهار مبصرة } [ الإسراء : 12 ] أو أسند إليها حال من يشاهدها مجازاً ، أو أنها جعلتهم ذوي إبصار ، من أبصره جعله بصيراً . وقرئ على صيغة المفعول . وقرئ بفتح الميم والصاد وانتصابها على الحال . وقرئ برفعها على أنها خبر مبتدأ محذوف ، والجملة معطوفة على محذوف يقتضيه سياق الكلام أي : فكذبوها وآتينا ثمود الناقة ، ومعنى { فَظَلَمُوا بِهَا } فظلموا بتكذيبها أو على تضمين ظلموا معنى جحدوا أو كفروا أي : فجحدوا بها أو كفروا بها ظالمين ولم يكتفوا بمجرد الكفر أو الجحد { وَمَا نُرْسِلُ بالآيات إِلاَّ تَخْوِيفًا } اختلف في تفسير { بالآيات } على وجوه : الأوّل : أن المراد بها العبر والمعجزات التي جعلها الله على أيدي الرسل من دلائل الإنذار تخويفاً للمكذبين ؛ الثاني : أنها آيات الانتقام تخويفاً من المعاصي ؛ الثالث : تقلب الأحوال من صغر إلى شباب ثم إلى تكهل ثم إلى شيب ، ليعتبر الإنسان بتقلب أحواله فيخاف عاقبة أمره ؛ الرابع آيات القرآن ، الخامس : الموت الذريع ، والمناسب للمقام أن تفسر الآيات المذكورة بالآيات المقترحة ، أي : لا نرسل الآيات المقترحة إلا تخويفاً من نزول العذاب ، فإن لم يخافوا وقع عليهم . والجملة مستأنفة لا محل لها ، ويجوز أن تكون في محل نصب على الحال من ضمير ظلموا بها أي : فظلموا بها ، ولم يخافوا ، والحال أنّ ما نرسل بالآيات التي هي من جملتها إلاّ تخويفاً . قال ابن قتيبة : وما نرسل بالآيات المقترحة إلاّ تخويفاً من نزول العذاب العاجل .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.