فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرۡسِلَ بِٱلۡأٓيَٰتِ إِلَّآ أَن كَذَّبَ بِهَا ٱلۡأَوَّلُونَۚ وَءَاتَيۡنَا ثَمُودَ ٱلنَّاقَةَ مُبۡصِرَةٗ فَظَلَمُواْ بِهَاۚ وَمَا نُرۡسِلُ بِٱلۡأٓيَٰتِ إِلَّا تَخۡوِيفٗا} (59)

{ وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ وَءاتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا ( 59 ) } .

{ وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ } قال المفسرون : إن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يجعل لهم الصفا ذهبا وأن ينحي عنهم جبال مكة فأتاه جبريل فقال : إن شئت كان ما سأله قومك ولكنهم إن لم يؤمنوا لم يمهلوا وإن شئت استأنيت بهم فأنزل الله هذه الآية روى معنى هذا أحمد والنسائي وغيرهما عن ابن عباس .

وأخرج البيهقي في الدلائل عن الربيع بن أنس قال : قال الناس لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : لو جئتنا بآية كما جاء بها صالح والنبيون فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( إن شئتم دعوت الله فأنزلها عليكم فإن عصيتم هلكتم فقالوا : لا نريدها ) والمعنى وما منعنا من إرسال الآية التي سألوها إلا تكذيب الأولين فإن أرسلناها وكذب بها هؤلاء عوجلوا ولم يمهلوا كما هو سنة الله سبحانه في عباده فالمنع مستعار للترك والاستثناء مفرغ من أعم الأشياء أي ما تركنا إرسالها لشيء من الأشياء إلا تكذيب الأولين فإن كذب بها هؤلاء ما كذب بها أولئك لحل بهم ما حل بهم لاشتراكهم في الكفر والعناد .

والحاصل أن المانع من إرسال الآية التي اقترحوها هو أن الاقتراح مع التكذيب موجب للهلاك الكلي وهو الاستئصال وقد عزمنا على أن نؤخر أمر من بعث إليهم محمد صلى الله عليه وآله وسلم إلى يوم القيامة وقيل معنى الآية أن هؤلاء الكفار من قريش ونحوهم مقلدون لآبائهم فلا يؤمنون البتة كما لم يؤمن أولئك فيكون إرسال الآيات ضائعا .

ثم إنه سبحانه استشهد على ما ذكر بقصة صالح وناقته فإنهم لما اقترحوا عليه ما اقترحوا من الناقة وصفتها التي قد بينت في محل آخر وأعطاهم الله ما اقترحوا فلم يؤمنوا استِِِِِِِِِِِؤصلوا بالعذاب وإنما خص قوم صالح بالاستشهاد لأن آثار إهلاكهم في بلاد العرب قريبة من قريش وأمثالهم يبصرها صادرهم وواردهم فقال : { وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ } آية { مُبْصِرَةً } أي ذات أبصار يدركها الناس بأبصارهم كقوله وجعلنا آية النهار مبصرة أو أسند إليها حال من يشاهدها مجازا أو إنها جعلتهم ذوي أبصار من أبصره إذا جعله بصيرا { فَظَلَمُواْ بِهَا } أي بتكذيبها أو فجحدوا بها أو كفروا بها ( 1 ) {[1081]} ظالمين ولم يكتفوا بمجرد الكفر أو الجحد فعاجلناهم بالعقوبة { وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ } المقترحة { إِلاَّ تَخْوِيفًا } من نزول العذاب المستأصل فإن لم يخافوا أنزل أو بغير المقترحة كالمعجزات وآيات القرآن إلا تخويفا بعذاب الآخرة فإن أمر من بعثت إليهم مؤخر إلى يوم القيامة .

اختلف في تفسير الآيات على وجوه : الأول : إن المراد بها العبر و المعجزات التي جعلها الله على أيدي الرسل من دلائل الإنذار تخويفا للمكذبين . الثاني : أنها آيات الانتقام تخويفا من المعاصي . الثالث : تقلب الأحوال من صغر إلى شباب ثم إلى تكهل ثم إلى شيب ليعتبر الإنسان بتقلب أحواله فيخاف عاقبة أمره . الرابع : آيات القرآن . الخامس : الموت الذريع والمناسب للمقام تفسير الآيات المذكورة بالآيات المقترحة كما تقدم .


[1081]:هذا على تقدير تضمين ظلموا معنى جحدوا أو كفروا أهـ.