{ 1 - 8 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا * يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا * يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ * فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ }
يخبر تعالى عما يكون يوم القيامة ، وأن الأرض تتزلزل وترجف وترتج ، حتى يسقط ما عليها من بناء وعلم{[1465]} .
فتندك جبالها ، وتسوى تلالها ، وتكون قاعًا صفصفًا لا عوج فيه ولا أمت .
القول في تأويل قوله تعالى : { إِذَا زُلْزِلَتِ الأرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الأرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الإِنسَانُ مَا لَهَا * يَوْمَئِذٍ تُحَدّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنّ رَبّكَ أَوْحَىَ لَهَا * يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النّاسُ أَشْتَاتاً لّيُرَوْاْ أَعْمَالَهُمْ * فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرّةٍ شَرّاً يَرَهُ } .
يقول تعالى ذكره : إذَا زُلْزِلَتِ الأرْضُ لقيام الساعة زِلْزَالَهَا فرُجّت رجّا ، والزّلزال : مصدر إذا كسرت الزاي ، وإذا فتحت كان اسما ، وأضيف الزلزال إلى الأرض وهو صفتها ، كما يقال : لأكرمنك كرامتك ، بمعنى : لأكرمنك كرامة . وحَسُن ذلك في زلزالها ، لموافقتها رؤوس الاَيات التي بعدها .
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا ابن يمان ، عن أشعث ، عن جعفر ، عن سعيد ، قال : زُلْزِلَتِ الأرْضُ على عهد عبد الله ، فقال لها عبدُ الله : مالك ؟ أما إنها لو تكلّمت قامت الساعة .
سميت هذه السورة في كلام الصحابة سورة { إذا زلزلت } روى الواحدي في أسباب النزول عن عبد الله بن عمرو نزلت إذا زلزلت وأبو بكر قاعد فبكى{[1]} الحديث وفي حديث أنس بن مالك مرفوعا عند الترمذي { إذا زلزلت } تعدل نصف القرآن ، وكذلك عنونها البخاري والترمذي .
وسميت في كثير من المصاحف ومن كتب التفسير { سورة الزلزال } .
وسميت في مصحف بخط كوفي قديم من مصاحف القيروان { زلزلت } وكذلك سماها في الإتقان في السور المختلف في مكان نزولها ، وكذلك تسميتها في تفسير ابن عطية ، ولم يعدها في الإتقان في عداد السور ذوات أكثر من أسم فكأنه لم ير هذه ألقابا لها بل جعلها حكاية بعض ألفاظها ولكن تسميتها سورة الزلزلة تسمية بالمعنى لا بحكاية بعض كلماتها .
واختلف فيها فقال ابن عباس وابن مسعود ومجاهد وعطاء والضحاك هي مكية . وقال قتادة ومقاتل : مدنية ونسب إلى ابن عباس أيضا . والأصح أنها مكية واقتصر عليه البغوي وابن كثير ومحمد بن الحسن النيسابوري في تفاسيرهم . وذكر القرطبي عن جابر أنها مكية ولعله يعني : جابر بن عبد الله الصحابي لأن المعروف عن جابر بن زيد أنها مدنية فإنها معدودة في نول السور المدنية فيما روي عن جابر بن زيد . وقال ابن عطية : آخرها وهو{ فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره } الآية نزل في رجلين كانا بالمدينة اه . وستعلم أنه لا دلالة فيه على ذلك .
وقد عدت الرابعة والتسعين في عداد نزول السور فيما روي عن جابر بن زيد ونظمه الجعبري وهو بناء على أنها مدنية جعلها بعد سورة النساء وقبل سورة الحديد .
وعدد آيها تسع عند جمهور أهل العدد ، وعدها أهل الكوفة ثماني للاختلاف في أن قوله { يومئذ يصدر الناس أشتاتا ليروا أعمالهم } آيتان أو آية واحدة .
إثبات البعث وذكر أشراطه وما يعتري الناس عند حدوثها من الفزع .
وحضور الناس للحشر وجزائهم على أعمالهم من خير أو شر وهو تحريض على فعل الخير واجتناب الشر .
افتتاح الكلام بظرف الزمان مع إطالة الجمل المضاف إليها الظرف تشويق إلى متعلَّق الظَّرْف إذ المقصود ليس توقيت صدور الناس أشتاتاً ليُرَوا أعمالهم بل الإِخبارَ عن وقوع ذلك وهو البعث ، ثم الجزاء ، وفي ذلك تنزيل وقوع البعث منزلة الشيء المحقق المفروغ منه بحيث لا يهم الناس إلا معرفة وقته وأشراطِهِ فيكون التوقيت كناية عن تحقيق وقوع الموقت .
ومعنى { زلزلت } : حُركت تحريكاً شديداً حتى يخيل للناس أنها خرجت من حيزها لأن فعل زلزل مأخوذ من الزّلل وهو زَلَق الرِّجلين ، فلما عَنَوا شدة الزلل ضاعفوا الفعل للدلالة بالتضعيف على شدة الفعل كما قالوا : كَبْكَبه ، أي كَبَّه ولَمْلَم بالمكان من اللّمّ .
والزلزال : بكسر الزاي الأولى مصدر زَلزل ، وأما الزَّلزال بفتح الزاي فهو اسم مصدر كالوسَواس والقَلْقَال ، وتقدم الكلام على الزلزال في سورة الحج .
وإنما بُني فعل { زلزلت } بصيغة النائب عن الفاعل لأنه معلوم فاعله وهو الله تعالى .
وانتصب { زلزالها } على المفعول المطلق المؤكِّد لفعله إشارة إلى هول ذلك الزلزال فالمعنى : إذا زلزلت الأرض زلزالاً .
وأضيف { زلزالها } إلى ضمير الأرض لإفادة تمكّنه منها وتكرره حتى كأنه عرف بنسبته إليها لكثرة اتصاله بها كقول النابغة :
أسائِلَتي سَفَاهَتَها وجَهْلاً *** على الهجران أختُ بني شهاب
أي سفاهة لها ، أي هي معروفة بها ، وقول أبي خالد القَناني :
والله أسماكَ سُمًى مباركاً *** آثرَك الله به إيثَاركا
يريد إيثاراً عُرفْتَ به واختصصتَ به . وفي كتب السيرة أن من كلام خَطر بن مالك الكاهن يذكر شيطانه حين رُجِم « بَلْبَلَه بَلْبَالُه » أي بلبال متمكن منه .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
النكت و العيون للماوردي 450 هـ :
سورة الزلزلة مدنية في قول ابن عباس وقتادة وجابر .
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
وهي مكية ، قاله ابن عباس وغيره ، وقال قتادة ومقاتل : هي مدنية ؛ لأن آخرها نزل بسبب رجلين كانا بالمدينة.
أحكام القرآن لابن العربي 543 هـ :
اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ السُّورَةِ ؛ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : إنَّهَا مَكِّيَّةٌ ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : إنَّهَا مَدَنِيَّةٌ : وَفَضْلُهَا كَثِيرٌ ، وَتَحْتَوِي عَلَى عَظِيمٍ ؛ قَالَ إبْرَاهِيمُ التَّمِيمِيُّ : لَقَدْ أَدْرَكْت سَبْعِينَ شَيْخًا فِي مَسْجِدِنَا هَذَا ، أَصْغَرُهُمْ الْحَارِثُ بْنُ سُوَيْد ، وَسَمِعْته يَقْرَأُ : { إذَا زُلْزِلَت الْأَرْضُ } ، حَتَّى إذَا بَلَغَ إلَى قَوْلِهِ : { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ } بَكَى ثُمَّ قَالَ : إنَّ هَذا لَإِحْكَامٌ شَدِيدٌ . وَلَقَدْ رَوَى الْعُلَمَاءُ الْأَثْبَاتُ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبُو بَكْرٍ يَأْكُلُ ؛ فَأَمْسَكَ ؛ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ؛ أَوَ إِنَّا لَنَرَى مَا عَمِلْنَا من خَيْرٍ وَشَرٍّ ؟ قَالَ : " أَرَأَيْت مَا تَكْرَهُ فَهُوَ مَثَاقِيلُ ذَرِّ الشَّرِّ ، وَيَدَّخِرُ لَكُمْ مَثَاقِيلَ ذَرِّ الْخَيْرِ حَتَّى تُعْطَوْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } " . قَالَ أَبُو إدْرِيسَ : إنَّ مِصْدَاقَهُ من كِتَابِ اللَّهِ : { وَمَا أَصَابَكُمْ من مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبْتِ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ } . وَرَوَى الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ أَنَّ { النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَفَعَ رَجُلًا إلَى رَجُلٍ يُعَلِّمُهُ حَتَّى إذَا بَلَغَ : { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ } قَالَ : حَسْبِي . قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : دَعُوهُ ، فَإِنَّهُ قَدْ فَقِهَ " . وَرَوَى كَعْبُ الْأَحْبَارِ أَنَّهُ قَالَ : لَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ آيَتَيْنِ أَحْصَتَا مَا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ أَلَا تَجِدُونَ : { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ } قَالَ جُلَسَاؤُهُ : بَلَى . قَالَ : فَإِنَّهُمَا قَدْ أَحْصَتَا مَا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ . وَذَكَرَ الْحَدِيثَ . ...
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
عن عبد الله بن عمرو قال : أتى رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أقرئني يا رسول الله . قال له : " اقرأ ثلاثا من ذات الر " . فقال له الرجل : كبر سني واستد قلبي ، وغَلُظ لساني . قال : " فاقرأ من ذات حم " ، فقال مثل مقالته الأولى . فقال : " اقرأ ثلاثا من المسبحات " ، فقال مثل مقالته . فقال الرجل : ولكن أقرئني - يا رسول الله - سورة جامعة . فأقرأه : ( إِذَا زُلْزِلَتِ الأرْضُ زِلْزَالَهَا ) حتى إذا فرغ منها قال الرجلُ : والذي بعثك بالحق ، لا أزيد عليها أبدًا . ثم أدبر الرجل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أفلح الرويجل ! أفلح الرويجل ! " ... عن أنس بن مالك : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل من أصحابه : " هل تزوجت يا فلان ؟ " قال : لا ، والله يا رسول الله ، ولا عندي ما أتزوج ؟ ! قال : " أليس معك ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ) " ؟ " . قال : بلى . قال : " ثلث القرآن " . قال : " أليس معك ( إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ) ؟ " . قال : بلى . قال : " ربع القرآن " . قال : " أليس معك ( قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ) ؟ " . قال : بلى . قال : " ربع القرآن " . قال : " أليس معك ( إِذَا زُلْزِلَتِ الأرْضُ ) ؟ " . قال : بلى . قال : " ربع القرآن " تزوج ، [ تزوج ] . ثم قال : هذا حديث حسن . ...
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي 1270 هـ :
ويقال سورة إذا زلزلت ...وهذه السورة تشتمل على أحكام الآخرة إجمالا وزادت على القارعة بإخراج الأثقال وبحديث الأخبار ...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
هذه السورة مدنية في المصحف وفي بعض الروايات ؛ ومكية في بعض الروايات الأخرى . ونحن نرجح الروايات التي تقول بأنها مكية ، وأسلوبها التعبيري وموضوعها يؤيدان هذا . ...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
سميت هذه السورة في كلام الصحابة سورة إذا زلزلت، روى الواحدي في أسباب النزول عن عبد الله بن عمرو نزلت إذا زلزلت وأبو بكر قاعد فبكى الحديث وفي حديث أنس بن مالك مرفوعا عند الترمذي إذا زلزلت تعدل نصف القرآن ، وكذلك عنونها البخاري والترمذي .
وسميت في كثير من المصاحف ومن كتب التفسير سورة الزلزال .
وسميت في مصحف بخط كوفي قديم من مصاحف القيروان زلزلت، وكذلك سماها في الإتقان في السور المختلف في مكان نزولها ، وكذلك تسميتها في تفسير ابن عطية ، ولم يعدها في الإتقان في عداد السور ذوات أكثر من أسم فكأنه لم ير هذه ألقابا لها بل جعلها حكاية بعض ألفاظها ولكن تسميتها سورة الزلزلة تسمية بالمعنى لا بحكاية بعض كلماتها .
واختلف فيها فقال ابن عباس وابن مسعود ومجاهد وعطاء والضحاك هي مكية . وقال قتادة ومقاتل : مدنية ونسب إلى ابن عباس أيضا . والأصح أنها مكية واقتصر عليه البغوي وابن كثير ومحمد بن الحسن النيسابوري في تفاسيرهم . وذكر القرطبي عن جابر أنها مكية ولعله يعني : جابر بن عبد الله الصحابي لأن المعروف عن جابر بن زيد أنها مدنية فإنها معدودة في نول السور المدنية فيما روي عن جابر بن زيد . وقال ابن عطية : آخرها وهو{ فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره } الآية نزل في رجلين كانا بالمدينة اه . وستعلم أنه لا دلالة فيه على ذلك ...
إثبات البعث وذكر أشراطه وما يعتري الناس عند حدوثها من الفزع .
وحضور الناس للحشر وجزائهم على أعمالهم من خير أو شر وهو تحريض على فعل الخير واجتناب الشر .
التفسير الحديث لدروزة 1404 هـ :
في السورة إنذار بيوم القيامة وهوله وحسابه ، وحثّ على الخير وتحذير من الشرّ بصورة عامة . ومن المفسّرين من روى مكيتها وحسب ، ومنهم من قال : إنها من المختلف على مكيته ومدنيته بسبب تعدّد الروايات . والطابع المكي قويّ البروز عليها ، بحيث يسوغ ترجيح مكّيتها إن لم نقل الجزم بذلك ، بل ويلهم أنها من السور المبكرة في النزول . وتكاد تكون هي وسورة القارعة المتفق على مكيتها ونزولها مبكرة سورتين متماثلتين . ولقد جاء في حديث رواه الترمذي عن أنس أن قراءة هذه السورة تعدل نصف القرآن ، وفي حديث آخر عنه أنها تعدل بربع القرآن . وقد يكون التباين من الرواة . وعلى كل حال فقد يكون قصد التذكر بأهوال يوم القيامة والحثّ على الخير واجتناب الشرّ من الحكمة المتوخاة في الحديث ، والله تعالى أعلم . ...
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
هذه من السور التي تثير الإحساس بالهول في التغيّير الكوني الذي يحدث للأرض في المرحلة التي تسبق القيامة ، فهناك الزلزال الذي يهز كل جوانبها ، فتنفتح - بشكل كامل شامل - على كل ما تختزنه من أثقال ، ولا سيّما الأجساد البشرية المدفونة فيها . وهنا يتساءل الإنسان ، بعد أن تدبّ فيه الحياة ويعود إليه الوعي : ما لها ؟ في تساؤلٍ يحمل الدهشة والحيرة والخوف والرعب . وهناك يأتيه الجواب من أخبار الأرض الخاضعة لربها التي تبدأ بالحديث ، بطريقةٍ خاصة ، بأن ذلك وحيٌ من الله للأرض أن تنقاد لإرادته لما يريد بها من أوضاع وأحداثٍ . . ...وهكذا تؤكد هذه السورة على أنّ العمل هو الأساس في مسألة المصير ، فهو القيمة التي تحكم الإنسان في حركته في الدنيا ، كما تحكمه في موقعه في الآخرة ....
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره : "إذَا زُلْزِلَتِ الأرْضُ" لقيام الساعة "زِلْزَالَهَا" فرُجّت رجّا ، والزّلزال : مصدر إذا كسرت الزاي ، وإذا فتحت كان اسما ، وأضيف الزلزال إلى الأرض وهو صفتها ...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{ إذا زلزلت الأرض زلزالها } أخبرهم عن أحوال يوم القيامة والحساب ، ولم يخبرهم عن وقتها ، وقد ذكر في غير موضع .
ثم قوله تعالى : { إذا زلزلت الأرض زلزالها } أي حركت الأرض تحريكا شديدا لهول ذلك اليوم ، وهو يخرج على وجهين :
أحدهما : جائز أن تكون تتزلزل ، وتحرك حتى تلقي ما ارتفع منها من الجبال الرواسي في الأودية حتى تستوي الأرض ، فلا يبقى فيها هبوط ولا صعود ، كقوله تعالى : { لا ترى فيها عوجا ولا أمتا } ( طه : 107 ) .
والثاني : جائز أن يكون قوله : { زلزلت الأرض } أي تزلزل ، وتحرك بغير الجبال الرواسي حتى تصير كما ذكر : { يوم يكون الناس كالفراش المبثوث } { وتكون الجبال كالعهن المنفوش } ( القارعة : 4و5 } . وقوله تعالى : { فجعلناه هباء منثورا } ( الفرقان : 23 ) فإذا فنيت ، وتلاشت ، بقيت الأرض مستوية على ما ذكره . ويحتمل أن تكون تتزلزل ، وتحرك ، حتى تصير غير تلك ، كقوله تعالى : { يوم تبدل الأرض غير الأرض } الآية ( إبراهيم : 48 ) . ويحتمل أن يكون تبديلها وتحريكها ومدها ، هو تغير صفاتها على ما ذكرنا في الوجهين الأولين ...
النكت و العيون للماوردي 450 هـ :
والزلزلة شدة الحركة ، فيكون من زل يزل . وفي قوله { زِلزالها } وجهان :
أحدهما : لأنها غاية زلازلها المتوقعة .
الثاني : لأنها عامة في جميع الأرض ، بخلاف الزلازل المعهودة في بعض الأرض . وهذا الخطاب لمن لا يؤمن بالبعث وعيد وتهديد ، ولمن يؤمن به إنذار وتحذير.
واختلف في هذه الزلزلة على قولين :
أحدهما : أنها في الدنيا من أشراط الساعة ، وهو قول الأكثرين .
الثاني : أنها الزلزلة يوم القيامة ، قاله خارجة بن زيد وطائفة . ...
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
فالزلزلة شدة الاضطراب بما يهدم البنيان ...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
فإن قلت : ما معنى زلزالها بالإضافة ؟ قلت : معناه زلزالها الذي تستوجبه في الحكمة وهو مشيئة الله ، وهو الزلزال الشديد الذي ليس بعده . ...
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
{ زلزالها } أبلغ من قوله : زلزال ، دون إضافة إليها ، وذلك أن المصدر غير مضاف يقع على كل قدر من الزلزال وإن قَلَّ ، وإذا أضيفت إليها وجب أن يكون على قدر ما يستحقه ويستوجبه جرمها وعظمها ...
........................................................
المسألة الثانية : في قوله : { إذا } بحثان؛
( أحدهما ) : أن لقائل أن يقول : { إذا } للوقت فكيف وجه البداية بها في أول السورة ؟
( الأول ) : كانوا يسألونه متى الساعة ؟ فقال : { إذا زلزلت الأرض } كأنه تعالى قال : لا سبيل إلى تعيينه بحسب وقته ولكني أعينه بحسب علاماته.
( الثاني ) : أنه تعالى أراد أن يخبر المكلف أن الأرض تحدث وتشهد يوم القيامة مع أنها في هذه الساعة جماد فكأنه قيل : متى يكون ذلك ؟ فقال : { إذا زلزلت الأرض } ....والمعنى : حركت حركة شديدة ، كما قال : { إذا رجت الأرض رجا } وقال قوم : ليس المراد من زلزلت حركت ، بل المراد : تحركت واضطربت ، والدليل عليه أنه تعالى يخبر عنها في جميع السورة كما يخبر عن المختار القادر ، ولأن هذا أدخل في التهويل.
.....................................................
المسألة الرابعة : قال مجاهد : المراد من الزلزلة المذكورة في هذه الآية النفخة الأولى كقوله : { يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة } أي تزلزل في النفخة الأولى ، ثم تزلزل ثانيا فتخرج موتاها وهي الأثقال ، وقال آخرون : هذه الزلزلة هي الثانية بدليل أنه تعالى جعل من لوازمها أنها تخرج الأرض أثقالها ، وذلك إنما يكون في الزلزلة الثانية . ...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
..{ إذا } . ولما كان المخوف الزلزلة ولو لم يعلم فاعلها ، وكان البناء للمفعول يدل على سهولة الفعل ويسره جداً ، بنى للمفعول قوله : { زلزلت الأرض } أي حركت واضطربت زلزلة البعث بعد النفخة الثانية بحيث يعمها ذلك لا كما كان يتفق قبل ذلك من زلزلة بعضها دون بعض وعلى وجه دون ذلك ، وعظم هذا الزلزال وهوّله بإبهامه لتذهب النفس فيه كل مذهب .
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
افتتاح الكلام بظرف الزمان مع إطالة الجمل المضاف إليها الظرف تشويق إلى متعلَّق الظَّرْف إذ المقصود ليس توقيت صدور الناس أشتاتاً ليُرَوا أعمالهم بل الإِخبارَ عن وقوع ذلك وهو البعث ، ثم الجزاء ، وفي ذلك تنزيل وقوع البعث منزلة الشيء المحقق المفروغ منه بحيث لا يهم الناس إلا معرفة وقته وأشراطِهِ فيكون التوقيت كناية عن تحقيق وقوع الموقت .... وإنما بُني فعل { زلزلت } بصيغة النائب عن الفاعل لأنه معلوم فاعله وهو الله تعالى . وانتصب { زلزالها } على المفعول المطلق المؤكِّد لفعله إشارة إلى هول ذلك الزلزال فالمعنى : إذا زلزلت الأرض زلزالاً . وأضيف { زلزالها } إلى ضمير الأرض لإفادة تمكّنه منها وتكرره حتى كأنه عرف بنسبته إليها لكثرة ... اتصاله بها...
التفسير الحديث لدروزة 1404 هـ :
والسورة مع احتوائها حقيقة يوم القيامة والحساب الإيمانية هي سورة وعظ وترغيب وترهيب مطلقة التوجيه للناس عموما ، واستهدفت كما هو المتبادر إثارة الخوف من ذلك اليوم ، وحمل الناس على الإقبال على العمل الصالح ، والابتعاد عن الأعمال السيئة ، وعدم الاستهانة بالشرّ مهما قلّ ، وعدم إهمال الخير مهما ضؤل . وهي من هذه الناحية تنطوي على تلقين مستمر المدى....«قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم الآية { يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا } قال : أتدرون ما أخبارها ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : فإن أخبارها أن تشهد على كل عبد وأمة بما عمل على ظهرها أن تقول : عمل عليّ كذا وكذا يوم كذا وكذا ، فهذه أخبارها » ...