{ بسم الله الرحمن الرحيم إذا زلزلت الأرض زلزالها } ههنا مسائل :
المسألة الأولى : ذكروا في المناسبة بين أول هذه السورة وآخر السورة المتقدمة وجوها ( أحدها ) : أنه تعالى لما قال : { جزاؤهم عند ربهم } فكأن المكلف قال : ومتى يكون ذلك يا رب فقال : { إذا زلزلت الأرض زلزالها } فالعالمون كلهم يكونون في الخوف ، وأنت في ذلك الوقت تنال جزاءك وتكون آمنا فيه ، كما قال : { وهم من فزع يومئذ آمنون } ( وثانيها ) : أنه تعالى لما ذكر في السورة المتقدمة وعيد الكافر ووعد المؤمن أراد أن يزيد في وعيد الكافر ، فقال : أجازيه حين يقول الكافر السابق ذكره : ما للأرض تزلزل ، نظير قوله : { يوم تبيض وجوه وتسود وجوه } ثم ذكر الطائفتين فقال : { فأما الذين اسودت وجوههم } { وأما الذين ابيضت وجوههم } ثم جمع بينهم في آخر السورة فذكر الذرة من الخير والشر .
المسألة الثانية : في قوله : { إذا } بحثان ( أحدهما ) : أن لقائل أن يقول : { إذا } للوقت فكيف وجه البداية بها في أول السورة ؟ وجوابه : من وجوه ( الأول ) : كانوا يسألونه متى الساعة ؟ فقال : { إذا زلزلت الأرض } كأنه تعالى قال : لا سبيل إلى تعيينه بحسب وقته ولكني أعينه بحسب علاماته ، ( الثاني ) : أنه تعالى أراد أن يخبر المكلف أن الأرض تحدث وتشهد يوم القيامة مع أنها في هذه الساعة جماد فكأنه قيل : متى يكون ذلك ؟ فقال : { إذا زلزلت الأرض } .
البحث الثاني : قالوا كلمة : { إن } في المجوز ، وإذا في المقطوع به ، تقول : إن دخلت الدار فأنت طالق لأن الدخول يجوز ، أما إذا أردت التعليق بما يوجد قطعا لا تقول : إن بل تقول : إذا [ نحو إذا ] جاء غد فأنت طالق لأنه يوجد لا محالة . هذا هو الأصل ، فإن استعمل على خلافه فمجاز ، فلما كان الزلزال مقطوعا به قال : { إذا زلزلت } .
المسألة الثالثة : قال الفراء : الزلزال بالكسر المصدر والزلزال بالفتح الاسم ، وقد قرئ بهما ، وكذلك الوسواس هو الاسم أي اسم الشيطان الذي يوسوس إليك ، والوسواس بالكسر المصدر ، والمعنى : حركت حركة شديدة ، كما قال : { إذا رجت الأرض رجا } وقال قوم : ليس المراد من زلزلت حركت ، بل المراد : تحركت واضطربت ، والدليل عليه أنه تعالى يخبر عنها في جميع السورة كما يخبر عن المختار القادر ، ولأن هذا أدخل في التهويل كأنه تعالى يقول : إن الجماد ليضطرب لأوائل القيامة ، أما آن لك أن تضطرب وتتيقظ من غفلتك ويقرب منه : { لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله } واعلم أن زل للحركة المعتادة ، وزلزل للحركة الشديدة العظيمة ، لما فيه من معنى التكرير ، وهو كالصرصر في الريح ، ولأجل شدة هذه الحركة وصفها الله تعالى بالعظم فقال : { إن زلزلة الساعة شيء عظيم } .
المسألة الرابعة : قال مجاهد : المراد من الزلزلة المذكورة في هذه الآية النفخة الأولى كقوله : { يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة } أي تزلزل في النفخة الأولى ، ثم تزلزل ثانيا فتخرج موتاها وهي الأثقال ، وقال آخرون : هذه الزلزلة هي الثانية بدليل أنه تعالى جعل من لوازمها أنها تخرج الأرض أثقالها ، وذلك إنما يكون في الزلزلة الثانية .
المسألة الخامسة : في قوله : { زلزالها } بالإضافة وجوه ( أحدها ) : القدر اللائق بها في الحكمة ، كقولك : أكرم التقي إكرامه وأهن الفاسق إهانته ، تريد ما يستوجبانه من الإكرام والإهانة ( والثاني ) : أن يكون المعنى زلزالها كله وجميع ما هو ممكن منه ، والمعنى أنه وجد من الزلزلة كل ما يحتمله المحل ( والثالث ) : ( زلزالها ) الموعود أو المكتوب عليها إذا قدرت تقدير الحي ، تقريره ما روى أنها تزلزل من شدة صوت إسرافيل لما أنها قدرت تقدير الحي .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.