اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{إِذَا زُلۡزِلَتِ ٱلۡأَرۡضُ زِلۡزَالَهَا} (1)

مقدمة السورة:

مدنية{[1]} في قول ابن عباس وقتادة ، ومكية في قول ابن مسعود وعطاء وجابر{[2]} ، هي ثماني آيات ، وخمس وثلاثون كلمة ، ومائة وتسع وأربعون حرفا .

/خ1

قوله تعالى : { إِذَا زُلْزِلَتِ الأرض زِلْزَالَهَا } . «إذّا » شرط ، وجوابه «تُحدِّثُ » ، وهو النَّاصب لها عند الجمهور .

وجوَّز أبو البقاء{[60635]} أن يكون العامل فيها مصدراً .

وغيره يجعل العامل فيها ما بعدها ، وإن كان معمولاً لها بالإضافة تقديراً ، واختاره مكي ، وجعل ذلك نظير «من وما » ، يعني أنهما يعملان فيما بعدهما الجزم ، وما بعدهما يعمل فيهما النصب ، ولو مثل ب «أي » لكان أوضح .

وقيل : العامل فيها مقدر ، أي : يحشرون .

وقيل : اذكر ، وحينئذ يخرج عن الظرفية والشرط .

فصل في المناسبة بين أول هذه السورة وآخر السورة المتقدمة

وجه المناسبة بين أول هذه السُّورة وآخر السورة المتقدمة ، أنه تعالى لما قال : { جَزَآؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ } فكأن المكلف قال : ومتى يكون ذلك ؟ فقيل له : { إِذَا زُلْزِلَتِ الأرض } فالعاملون كلهم يكونون في الخوف ، وأنت في ذلك الوقت تنال جزاءك ، وتكون آمناً ، لقوله تعالى : { وَهُمْ مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ } [ النمل : 89 ] .

وقيل : لما ذكر في السُّورة المتقدمة وعيد الكافر ووعد المؤمن أراد أن يزيد في وعيد الكافر ، فقال : أجازيه ، حتى يقول الكافر السابق ذكره : ما للأرض تزلزلت ، نظيره { يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ } [ آل عمران : 106 ] ، فذكر سبحانه الطائفتين ، وذكر ما لكل طائفةٍ ، ثم جمع بينهما في آخر السورة بذكر الذرة من الخير ، فإن قيل : «إذَا » للوقت ، فكيف وجه البداية بها في السورة ؟ الجواب : أنهم كانوا يسألونه عن الساعة ، فقال تعالى : { إِذَا زُلْزِلَتِ الأرض زِلْزَالَهَا } فإنه تعالى يقول : لا سبيل إلى تعيينها بحسب وقتها ، ولكن أعينه بحسب علاماته ، أو أنه تعالى أراد أن يخبر المكلف أن الأرض تتحدث وتشهد يوم القيامة مع أنها في هذه الساعة جماد ، فكأنه لما قيل : متى يكون ذلك ؟ قال تعالى : { إِذَا زُلْزِلَتِ الأرض } .

/خ1


[1]:في النسختين تقدم. وندم تصحيح من الرازي. وانظر تصحيح ذلك وغيره في تفسير الإمام 28/117.
[2]:ذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/605) وعزاه إلى عبد بن حميد وابن أبي حاتم.
[60635]:ينظر الإملاء 2/292.