معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَكَيۡفَ تَكۡفُرُونَ وَأَنتُمۡ تُتۡلَىٰ عَلَيۡكُمۡ ءَايَٰتُ ٱللَّهِ وَفِيكُمۡ رَسُولُهُۥۗ وَمَن يَعۡتَصِم بِٱللَّهِ فَقَدۡ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ} (101)

قوله تعالى : { وكيف تكفرون } . يعني ولم تكفرون .

قوله تعالى : { وأنتم تتلى عليكم آيات الله } . القرآن .

قوله تعالى : { وفيكم رسوله } . محمد صلى الله عليه وسلم . قال قتادة في هذه الآية : علمان بينان كتاب الله ، ونبي الله ، أما نبي الله فقد مضى ، وأما كتاب الله فأبقاه بين أظهركم رحمةً من الله ونعمة .

أخبرنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن العباس الحميدي ، أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ ، أنا أبو الفضل الحسن بن يعقوب بن يوسف العدل ، أخبرنا أبو أحمد محمد بن عبد الوهاب العبدي ، أنا أبو جعفر بن عوف أخبرنا أبو حيان يحيى بن سعيد بن حيان ، عن يزيد بن حيان قال :سمعت زيد بن أرقم قال : قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم خطيباً ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال " أما بعد : أيها الناس ، إنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيبه ، وإني تارك فيكم ثقلين ، أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور ، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به ، فحث على كتاب الله ورغب فيه ، ثم قال : وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي " . قوله تعالى : { ومن يعتصم بالله } . أي يمتنع بالله ويستمسك بدينه وطاعته .

قوله تعالى : { فقد هدي إلى صراط مستقيم } . طريق واضح ، وقال ابن جريج ( ومن يعتصم بالله ) أي يؤمن بالله ، وأصل العصمة المنع ، فكل مانع شيئاً فهو عاصم له .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَكَيۡفَ تَكۡفُرُونَ وَأَنتُمۡ تُتۡلَىٰ عَلَيۡكُمۡ ءَايَٰتُ ٱللَّهِ وَفِيكُمۡ رَسُولُهُۥۗ وَمَن يَعۡتَصِم بِٱللَّهِ فَقَدۡ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ} (101)

ثم ذكر تعالى السبب الأعظم والموجب الأكبر لثبات المؤمنين على إيمانهم ، وعدم تزلزلهم عن إيقانهم ، وأن ذلك من أبعد الأشياء ، فقال : { وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله } أي : الرسول بين أظهركم يتلو عليكم آيات ربكم كل وقت ، وهي الآيات البينات التي توجب القطع بموجبها والجزم بمقتضاها وعدم الشك فيما دلت عليه بوجه من الوجوه ، خصوصا والمبين لها أفضل الخلق وأعلمهم وأفصحهم وأنصحهم وأرأفهم بالمؤمنين ، الحريص على هداية الخلق وإرشادهم بكل طريق يقدر عليه ، فصلوات الله وسلامه عليه ، فلقد نصح وبلغ البلاغ المبين ، فلم يبق في نفوس القائلين مقالا ولم يترك لجائل في طلب الخير مجالا ، ثم أخبر أن من اعتصم به فتوكل عليه وامتنع بقوته ورحمته عن كل شر ، واستعان به على كل خير { فقد هدي إلى صراط مستقيم } موصل له إلى غاية المرغوب ، لأنه جمع بين اتباع الرسول في أقواله وأفعاله وأحواله وبين الاعتصام بالله .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَكَيۡفَ تَكۡفُرُونَ وَأَنتُمۡ تُتۡلَىٰ عَلَيۡكُمۡ ءَايَٰتُ ٱللَّهِ وَفِيكُمۡ رَسُولُهُۥۗ وَمَن يَعۡتَصِم بِٱللَّهِ فَقَدۡ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ} (101)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَىَ عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَىَ صِرَاطٍ مّسْتَقِيمٍ }

يعني بذلك جلّ ثناؤه : وكيف تكفرون أيها المؤمنون بعد إيمانكم بالله وبرسوله ، فترتدوا على أعقابكم { وأنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آياتُ اللّهِ } يعني : حجج الله عليكم التي أنزلها في كتابه على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم . { وفِيكُمْ رَسُولُهُ } حجة أخرى عليكم لله ، مع آي كتابه ، يدعوكم جميع ذلك إلى الحقّ ، ويبصركم الهدى والرشاد ، وينهاكم عن الغيّ والضلال يقول لهم تعالى ذكره : فما وجه عذركم عند ربكم في جحودكم نبوّة نبيكم ، وارتدادكم على أعقابكم ، ورجوعكم إلى أمر جاهليتكم ، إن أنتم راجعتم ذلك وكفرتم ، وفيه هذه الحجج الواضحة ، والاَيات البينة ، على خطأ فعلكم ذلك إن فعلتموه . كما :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وأنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آياتُ اللّهِ } . . . الاَية ، علمان بينان : وُجْدَانُ نبيّ الله صلى الله عليه وسلم ، وكتاب الله¹ فأما نبيّ الله فمضى صلى الله عليه وسلم¹ وأما كتاب الله ، فأبقاه الله بين أظهركم رحمة من الله ونعمة ، فيه حلاله وحرامه ، وطاعته ومعصيته .

وأما قوله : { مَنْ يَعْتَصِمْ باللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } فإنه يعني : ومن يتعلق بأسباب الله ، ويتمسك بدينه وطاعته ، { فَقَدْ هُدِيَ } يقول : فقد وفق لطريق واضح ومحجة مستقيمة غير معوجة ، فيستقيم به إلى رضا الله وإلى النجاة من عذاب الله والفوز بجنته . كما :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قوله : { وَمَنْ يَعْتَصِمْ باللّهِ فَقَدْ هُدِيَ } قال : يؤمن بالله .

وأصل العصم : المنع ، فكل مانع شيئا فهو عاصمه ، والممتنع به معتصم به ، ومنه قول الفرزدق :

أنا ابْنُ العاصِمينَ بني تَمِيم *** ٍإذَا ما أعْظَمُ الحدَثانِ نابَا

ولذلك قيل للحبل : عصام ، وللسبب الذي يتسبب به الرجل إلى حاجته : عصام ، ومنه قول الأعشى :

إلى المَرْءِ قَيْسٍ أُطِيلُ السّرى *** وآخُذُ مِنْ كُلّ حَيّ عُصُمْ

يعني بالعُصُم : الأسباب ، أسباب الذمة والأمان ، يقال منه : اعتصمت بحبل من فلان ، واعتصمت حبلاً منه ، واعتصمت به واعتصمه . وأفصح اللغتين : إدخال الباء ، كما قال عزّ وجلّ : { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعا } وقد جاء «اعتصمته » ، كما قال الشاعر :

إذَا أنْتَ جازَيْتَ الإخاءَ بِمِثْلِهِ *** وَآسَيْتَنِي ثُمّ اعْتَصَمْتُ حبِالِيا

فقال : «اعتصمت حباليا » ، ولم يدخل الباء ، وذلك نظير قولهم : تناولت الخطام وتناولت بالخطام ، وتعلقت به وتعلقته ، كما قال الشاعر :

تَعَلّقْتَ هِنْدا ناشِئا ذَاتَ مِئْزَرٍ *** وأنتَ وَقد فارَقْتَ لمْ تَدْرِ ما الحِلْمُ

وقد بينت معنى الهدى والصراط وأنه معنّي به الإسلام فيما مضى قبل بشواهده ، فكرهنا إعادته في هذا الموضع .

وقد ذكر أن الذي نزل في سبب تَحَاوُرْ القبيلتين الأوس والخزرج ، كان منه قوله : { وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وأنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آياتُ اللّهِ } . ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا حسن بن عطية ، قال : حدثنا قيس بن الربيع ، عن الأغرّ بن الصباح ، عن خليفة بن حصين ، عن أبي نصر ، عن ابن عباس ، قال : كانت الأوس والخزرج بينهم حرب في الجاهلية كل شهر ، فبينما هم جلوس إذ ذكروا ما كان بينهم حتى غضبوا ، فقام بعضهم إلى بعض بالسلاح ، فنزلت هذه الاَية : { وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وأنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آياتُ اللّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُه } . . . إلى آخر الاَيتين ، { واذْكُرُوا نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إذْ كُنْتُمْ أعْدَاءً } . . . إلى آخر الاَية .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَكَيۡفَ تَكۡفُرُونَ وَأَنتُمۡ تُتۡلَىٰ عَلَيۡكُمۡ ءَايَٰتُ ٱللَّهِ وَفِيكُمۡ رَسُولُهُۥۗ وَمَن يَعۡتَصِم بِٱللَّهِ فَقَدۡ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ} (101)

ثم وقف تعالى المؤمنين على هذا الأمر المستبعد المستشنع الذي يريده بهم اليهود ، فقال { وكيف تكفرون وأنتم } بهذه الأحوال الموصوفة ؟ و { كيف } في موضع نصب على الحال ، كما هي في قوله تعالى : { كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتاً فأحياكم }{[3373]} والمعنى أجاحدين تكفرون ؟ أجاهلين أمستخفين أمرتدين ؟ ونحو هذا من التقدير والواو في قوله : { وكيف تكفرون } عاطفة جملة كلام على جملة كلام ، ولا يجوز أن تكون { كيف } في هذه الآية كما هي في قولك ، كيف تفعل كذا ، وأنت تسأل عن شيء ثابت الوقوع متحصله ، لأنه كان يلزم أن يكون كفر المؤمنين مقرراً مثبت الوقوع ، وتأمل معنى { كيف } إذا وليها فعل ، ومعناها إذا وليها اسم{[3374]} ، وقرأ جمهور الناس «تتلى » بالتاء من فوق ، وقرأ الحسن : «يتلى » بالياء إذ الآيات هي القرآن ، وقوله تعالى : { وفيكم } هي ظرفية الحضور والمشاهدة لشخصه عليه السلام ، وهو في أمته إلى يوم القيامة ، بأقواله وآثاره ، و { يعتصم } معناه : يتمسك ويستذري{[3375]} ، وعصم الشيء إذا منع وحمى ، ومنه قوله { يعصمني من الماء }{[3376]} والعصم الأسباب التي يمتّ بها ، ويعتصم من الخيبة في الغرض المطلوب ، وقال الأعشى : [ المتقارب ]

إلى الْمَرْءِ قَيْس أُطِيلُ السُّرى . . . وآخُذُ مِنْ كُلِّ حَيٍّ عِصَمْ{[3377]}

وتصرف اللفظة كثير جداً ، وباقي الآية بيّن ، والله المستعان .


[3373]:- من الآية (28) من سورة البقرة.
[3374]:- هناك خلاف في معناها بين السيرافي و وسيبويه.
[3375]:- يستذري به: يلجأ إليه.
[3376]:- من الآية (43) من سورة هود.
[3377]:- البيت في ديوانه من قصيدة يمدح بها قيس بن معد يكرب، والعصم: جمع عصام وهو الحبل للمزادة والقربة، والمراد به هنا كل عهد وموثق.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَكَيۡفَ تَكۡفُرُونَ وَأَنتُمۡ تُتۡلَىٰ عَلَيۡكُمۡ ءَايَٰتُ ٱللَّهِ وَفِيكُمۡ رَسُولُهُۥۗ وَمَن يَعۡتَصِم بِٱللَّهِ فَقَدۡ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ} (101)

قوله : { وكيف تكفرون } استفهام مستعمل في الاستبْعَاد استبعاداً لكفرهم ونفياً له ، كقول جرير :

كَيْفَ الهِجَاءُ وَمَا تَنْفَكّ صَالِحَةٌ *** من آل لأمٍ بِظهْرِ الغَيْبِ تَأتينِي

وجملة { وأنتم تتلى عليكم آيات الله } حالية ، وهي محطّ الاستبعاد والنَّفي لأنّ كلاّ من تلاوة آيات الله وإقامة الرّسول عليه الصّلاة والسَّلام فيهم وازع لهم عن الكفر ، وأيّ وازع ، فالآيات هنا هي القرآن ومواعظه .

والظرفية في قوله : { وفيكم رسوله } حقيقيّة ومؤذنة بمنقبة عظيمة ، ومنّة جليلة ، وهي وجود هذا الرسول العظيم بينهم ، تلك المزيّة الَّتي فاز بها أصحابه المخاطبون .

وبها يظهر معنى قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الترمذي عن أبي سعيد الخدْري : « لاَ تسبُّوا أصحابي فوالّذي نفسي بيده لَوْ أنّ أحدكم أنفق مثلَ أُحُد ذَهَباً مَا بَلَغ مُدّ أحدِهم ولا نصِيفه » النصيف نِصْف مدّ .

وفي الآية دلالة على عِظْم قدْر الصّحابة وأنّ لهم وازعين عن مواقعة الضّلال : سماعُ القرآن ، ومشاهدَة أنوار الرّسول عليه السَّلام فإنّ وجوده عصمة من ضلالهم . قال قتادة : أمّا الرسول فقد مضى إلى رحمة الله ، وأمَّا الكتاب فباقٍ على وجه الدّهر .

وقوله : { ومن يعتصم بالله فقد هدى إلى صراط مستقيم } أي من يتمسّك بالدّين فلا يخش عليه الضّلال . فالاعتصام هنا استعارة للتَّمسّك .

وفي هذا إشارة إلى التمسّك بكتاب الله ودينه لسائر المسلمين الَّذين لم يشهدوا حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم