إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَكَيۡفَ تَكۡفُرُونَ وَأَنتُمۡ تُتۡلَىٰ عَلَيۡكُمۡ ءَايَٰتُ ٱللَّهِ وَفِيكُمۡ رَسُولُهُۥۗ وَمَن يَعۡتَصِم بِٱللَّهِ فَقَدۡ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ} (101)

{ وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ } استفهامٌ إنكاريٌّ بمعنى إنكارِ الوقوعِ كما في قوله تعالى : { كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ } [ التوبة ، الآية 7 ] الخ لا بمعنى إنكار الواقعِ كما في قوله تعالى : { كَيْفَ تَكْفُرُونَ بالله وَكُنتُمْ أمواتا } [ البقرة ، الآية 28 ] الخ وفي توجيه الإنكارِ والاستبعادِ إلى كيفية الكفرِ من المبالغة ما ليس في توجيهه إلى نفسه بأن يقال : أتكفرون ؟ لأن كلَّ موجودٍ لابد أن يكون وجودُه على حال من الأحوال فإذا أُنكِرَ ونُفيَ جميعُ أحوالِ وجودِه فقد انتفي وجودُه بالكلية على الطريق البرهاني وقوله تعالى : { وَأَنْتُمْ تتلى عَلَيْكُمْ آيات الله } جملةٌ وقعتْ حالاً من ضمير المخاطَبين في تكفُرون مؤكِّدةٌ للإنكار والاستبعادِ بما فيها من الشؤون الداعيةِ إلى الثبات على الإيمان ، الرادعةِ عن الكفر ، وقوله تعالى : { وَفِيكُمْ رَسُولُهُ } معطوفٌ عليها داخلٌ في حكمها فإن تلاوةَ آياتِ الله تعالى عليهم وكونَ رسولِه عليه الصلاة والسلام بين أظهُرِهم يعلِّمهم الكتابَ والحِكمةَ ويزكِّيهم بتحقيق الحقِّ وإزاحةِ الشُّبَهِ من أقوى الزواجر عن الكفر ، وعدمُ إسنادِ التلاوة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم للإيذان باستقلالِ كلَ منهما في الباب . { وَمَن يَعْتَصِم بالله } أي ومن يتمسَّكْ بدينه الحقِّ الذي بيَّنه على لسان رسولِه عليه الصلاة والسلام وهو الإسلامُ والتوحيدُ المعبَّرُ عنه فيما سبق بسبيل الله { فَقَدْ هُدِىَ } جوابٌ للشرط وقد لإفادة معنى التحقيقِ كأن الهدى قد حصل فهو يُخْبَر عنه حاصلاً ، ومعنى التوقُّع فيه ظاهرٌ فإن المعتصم به تعالى متوقع للهدى كما أن قاصدَ الكريم متوقّعٌ للندى { إلى صراط مُسْتَقِيمٍ } موصلٍ إلى المطلوب ، والتنوينُ للتفخيم ، والوصفُ بالاستقامة للتصريح بالرد على الذين يبغون له عوجاً ، وهذا وإن كان هو دينَه الحقَّ في الحقيقة والاهتداءُ إليه هو الاعتصامُ به بعينه لكن لمّا اختلف الاعتبارانِ وكان العنوانُ الأخيرُ مما يتنافس فيه المتنافسون أُبرز في معرِض الجوابِ للحثّ والترغيب ، على طريقة قولِه تعالى : { فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النار وَأُدْخِلَ الجنة فَقَدْ فَازَ } [ آل عمران ، الآية 185 ] .