قوله تعالى : { وقال } ، يعني : يوسف عند ذلك ، { للذي ظن } ، علم { أنه ناج منهما } ، وهو الساقي ، { اذكرني عند ربك } ، يعني : سيدك الملك ، وقل له : إن في السجن غلاما محبوسا ظلما طال حبسه ، { فأنساه الشيطان ذكر ربه } ، قيل : أنسى الشيطان الساقي ذكر يوسف للملك ، تقديره : فأنساه الشيطان ذكره لربه . قال ابن عباس وعليه الأكثرون : أنسى الشيطان يوسف ذكر ربه حين ابتغى الفرج ، من غيره واستعان بمخلوق ، وتلك غفلة عرضت ليوسف من الشيطان { فلبث } ، فمكث ، { في السجن بضع سنين } ، واختلفوا في معنى البضع ، فقال مجاهد : ما بين الثلاث إلى السبع . وقال قتادة : ما بين الثلاث إلى التسع . وقال ابن عباس : ما دون العشرة . وأكثر المفسرين على أن البضع في هذه الآية سبع سنين ، وكان قد لبث قبله خمس سنين فجملته اثنتا عشرة سنة . قال وهب : أصاب أيوب البلاء سبع سنين ، وترك يوسف في السجن سبع سنين ، وعذب بختنصر فحول في السباع سبع سنين . قال مالك بن دينار : لما قال يوسف للساقي اذكرني عند ربك ، قيل له : يا يوسف اتخذت من دوني وكيلا ؟ لأطيلن حبسك ، فبكى يوسف ، وقال : يا رب أنسى قلبي كثرة البلوى فقلت كلمة ولن أعود . وقال الحسن : دخل جبريل على يوسف في السجن ، فلما رآه يوسف عرفه فقال له : يا أخا المنذرين مالي أراك بين الخاطئين ؟ فقال له جبريل : يا طاهر الطاهرين يقرأ عليك السلام رب العالمين ، ويقول لك : أما استحييت مني أن استشفعت بالآدميين ، فوعزتي لألبثنك في السجن بضع سنين ، فقال يوسف : وهو في ذلك عني راض ؟ قال : نعم ، قال : إذا لا أبالي . وقال كعب : قال جبريل ليوسف إن الله تعالى يقول من خلقك ؟ قال : الله ، قال : فمن حببك إلى أبيك ، قال : الله ، قال : فمن نجاك من كرب البئر ؟ قال : الله ، قال : فمن علمك تأويل الرؤيا ؟ قال : الله ، قال : فمن صرف عنك السوء والفحشاء ؟ قال : الله ، قال : فكيف استشفعت بآدمي مثلك ؟ .
{ 42 } { وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ }
أي : { وَقَالَ } يوسف عليه السلام : { لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا } وهو : الذي رأى أنه يعصر خمرا : { اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ } أي : اذكر له شأني وقصتي ، لعله يرقُّ لي ، فيخرجني مما أنا فيه ، { فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ } أي : فأنسى الشيطان ذلك الناجي ذكر الله تعالى ، وذكر ما يقرب إليه ، ومن جملة ذلك نسيانه ذكر يوسف الذي يستحق أن يجازى بأتم الإحسان ، وذلك ليتم الله أمره وقضاءه .
{ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ } والبضع من الثلاث إلى التسع ، ولهذا قيل : إنه لبث سبع سنين ، ولما أراد الله أن يتم أمره ، ويأذن بإخراج يوسف من السجن ، قدر لذلك سببا لإخراج يوسف وارتفاع شأنه وإعلاء قدره ، وهو رؤيا الملك .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَقَالَ لِلّذِي ظَنّ أَنّهُ نَاجٍ مّنْهُمَا اذْكُرْنِي عِندَ رَبّكَ فَأَنْسَاهُ الشّيْطَانُ ذِكْرَ رَبّهِ فَلَبِثَ فِي السّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ } .
يقول تعالى ذكره : قال يوسف للذي علم أنه ناج من صاحبيه اللذين استعبراه الرؤيا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبّكَ يقول : اذكرني عند سيدك ، وأخبره بمظلمتي وأني محبوس بغير جرم . كما :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : قال ، يعني لنبو : اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبّكَ : أي اذكر للملك الأعظم مظلمتي وحبسي في غير شيء . قال : أفعل .
حدثنا محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبّكَ قال للذي نجا من صاحبي السجن ، يوسف يقول : اذكرني عند الملك .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، بنحوه .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا يحيى بن يمان ، عن سفيان ، عن جابر ، عن أسباط : وَقالَ للّذِي ظَنّ أنّهُ ناجٍ مِنْهُما اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبّكَ قال : عند ملك الأرض .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبّكَ يعني بذلك الملك .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : وَقالَ للّذِي ظَنّ أنّهُ ناجٍ مِنْهُما اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبّكَ الذي نجا من صاحبي السجن للملك ، يقول يوسف : اذكرني .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا العوّام بن حوشب ، عن إبراهيم التّيمي : أنه لما انتهى به إلى باب السجن قال له صاحب له . حاجَتَك أوصني بحاجتك قال : حاجتي أن تذكرني عند ربك . ينوي الربّ ملك يوسف .
وكان قتادة يوجه معنى الظنّ في هذا الموضع إلى الظنّ الذي هو خلاف اليقين .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : وَقالَ للّذِي ظَنّ أنّهُ ناجٍ مِنْهُما اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبّكَ وإنما عبارة الرؤيا بالظنّ ، فيُحقّ الله ما يشاء ويبطل ما يشاء .
وهذا الذي قاله قتادة من أن عِبارة الرؤيا ظنّ ، فإن ذلك كذلك من غير الأنبياء . فأما الأنبياء فغير جائز منها أن تخبر بخبر عن أمر أنه كائن ثم لا يكون ، أو أنه غير كائن ثم يكون مع شهادتها على حقيقة ما أخبرت عنه أنه كائن أو غير كائن لأن ذلك لو جاز عليها في أخبارها لم يؤمن مثل ذلك في كلّ أخبارها ، وإذا لم يؤمن ذلك في أخبارها سقطت حجتها على من أرسلت إليه . فإذا كان ذلك كذلك كان غير جائز عليها أن تخبر بخبر إلا وهو حقّ وصدق . فمعلوم إذ كان الأمر على ما وصفت أن يوسف لم يقطع الشهادة على ما أخبر الفتيين اللذين استعبراه أنه كائن ، فيقول لأحدهما : أمّا أحَدُكمَا فَيَسْقِي رَبّهُ خَمْرا وأمّا الاَخَرُ فيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطّيْرُ مِنْ رأسِهِ ثم يؤكد ذلك بقوله : قُضِيَ الأمْرُ الّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ عند قولهما : لم نر شيئا ، إلا وهو على يقين أن ما أخبرهما بحدوثه وكونه أنه كائن لا محالة لا شكّ فيه ، وليقينه بكون ذلك قال للناجي منهما : اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبّكَ . فبّينٌ إذن بذلك فساد القول الذي قاله قتادة في معنى قوله : وَقالَ للّذِي ظَنّ أنّهُ ناجٍ مِنْهُما ، وقوله : فَأنْساهُ الشّيْطانُ ذِكْرَ رَبّهِ وهذا خبر من الله جلّ ثناؤه عن غفلة عرضت ليوسف من قِبَل الشيطان نسي لها ذكر ربه الذي لو به استغاث لأسرع بما هو فيه خلاصة ، ولكنه زلّ بها ، فأطال من أجلها في السجن حَبسه وأوجع لها عقوبته . كما :
حدثني الحارث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا جعفر بن سليمان الضّبَعِيّ ، عن بِسطام بن مسلم ، عن مالك بن دينار ، قال : لما قال يوسف للساقي : اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبّكَ قال : قيل : يا يوسف اتخذتَ من دوني وكيلاً ؟ لأطيلنّ حبسك فبكى يوسف وقال : يا ربّ أَنْسَى قلبي كثرةُ البلوى ، فقلت كلمةً ، فويلٌ لإخوتي .
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا ابن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن عكرمة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لَوْلا أنّهُ » يعني يوسف «قالَ الكَلِمَةَ التي قالَ ما لَبِثَ فِي السّجْنِ طُولَ ما لَبِثَ » .
حدثني يعقوب بن إبراهيم وابن وكيع ، قالا : حدثنا ابن علية ، قال : حدثنا يونس ، عن الحسن ، قال : قال نبيّ الله صلى الله عليه وسلم : «رَحِمَ اللّهُ يُوسُفَ لَوْلا كَلِمَتُهُ ما لَبِثَ فِي السّجْنِ طُولَ ما لَبِثَ » ، يعني قوله : اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبّكَ . قال : ثم يبكي الحسن فيقول : نحن إذا نزل بنا أمر فزعنا إلى الناس .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن عُلَية ، عن أبي رجاء ، عن الحسن ، في قوله : وَقالَ للّذِي ظَنّ أنّهُ ناجٍ مِنْهُما اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبّكَ قال : ذُكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم قال : «لَوْلا كَلِمَةُ يُوسُفَ ما لَبِثَ فِي السّجْنِ طُولَ ما لَبِثَ » .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عمرو بن محمد ، عن إبراهيم بن يزيد ، عن عمرو بن دينار ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : قال النبيّ صلى الله عليه وسلم : «لَوْ لَمْ يَقُلْ يُوسُفُ » يعني الكلمة التي قال «ما لَبِثَ فِي السّجْنِ طُولَ مَا لَبِثَ » يعني حيث يبتغي الفرج من عند غير الله .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قال : بلغني أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : «لَوْ لَمْ يَسْتَعِنْ يُوسُفُ على رَبّهِ ما لَبِثَ فِي السّجْنِ طُولَ ما لَبِثَ » .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : ذُكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : «لَوْلا أنّ يُوسُفَ اسْتَشْفَعَ على رَبّهِ ما لَبِثَ في السّجْنِ طُولَ ما لَبِثَ ، وَلكِنْ إنّمَا عُوقِبَ باسْتِشْفاعِهِ على رَبّهِ » .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : قال له : اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبّكَ قال : فلم يذكره حتى رأى الملك الرؤيا وذلك أن يوسف أنساه الشيطان ذكر ربه ، وأمره بذكر الملك وابتغاء الفرج من عنده . فَلَبِثَ فِي السّجْنِ بِضْعَ سِنينَ بقوله : اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبّكَ .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، بنحوه ، غير أنه قال : فَلَبِثَ فِي السّجْنِ بِضْعَ سِنينَ عقوبة لقوله : اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبّكَ .
قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثل حديث محمد بن عمرو سواء .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثل حديث المثنى ، عن أبي حذيفة .
وكان محمد بن إسحاق يقول : إنما أنسى الشيطان الساقي ذكر أمر يوسف لملكهم .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : لما خرج ، يعني الذي ظنّ أنه ناج منهما ، ردّ على ما كان عليه ، ورضي عنه صاحبه . فأنساه الشيطان ذكر ذلك للملك الذي أمره يوسف أن يذكره ، فلبث يوسف بعد ذلك في السجن بضع سنين . يقول جلّ ثناؤه : فلبث يوسف في السجن لقيله للناجي من صاحبي السجن من القيل : اذكرني عند سيدك بضع سنين ، عقوبة له من الله بذلك .
واختلف أهل التأويل في قدر البِضْع الذي لبث يوسف في السجن ، فقال بعضهم : هو سبع سنين . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا محمد أبو عَثْمة ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : لبث يوسف في السجن سبع سنين .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : فَلَبِثَ فِي السّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ قال : سبع سنين .
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا عمران أبو الهذيل الصّنْعاني ، قال : سمعت وهْبا يقول : أصاب أيوب البلاء سبع سنين ، وترك في السجن يوسف سبع سنين ، وعذب بختنصر يجول في السباع سبع سنين .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : زعموا أنها ، يعني البضع : سبع سنين ، كما لبث يوسف .
وقال آخرون : البضع : ما بين الثلاث إلى التسع . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا سليمان ، قال : حدثنا أبو هلال ، قال : سمعت قتادة يقول : البضع : ما بين الثلاث إلى التسع .
حدثنا وكيع ، قال : حدثنا يحيى بن آدم ، عن إسرائيل ، عن منصور ، عن مجاهد : بِضْعَ سِنِينَ قال : ما بين الثلاث إلى التسع .
وقال آخرون : بل هو ما دون العشر . ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، قال : قال ابن جريج ، قال ابن عباس : بِضْعَ سنينَ دون العشرة .
وزعم الفرّاء أن البِضْع لا يذكر إلا مع عشر ، ومع العشرين إلى التسعين ، وهو نيف ما بين الثلاثة إلى التسعة . وقال : كذلك رأيت العرب تفعل ولا يقولون بضع ومئة ، ولا بضع وألف ، وإذا كانت للذكران قيل : بضع .
والصواب في البضع من الثلاث إلى التسع إلى العشر ، ولا يكون دون الثلاث ، وكذلك ما زاد على العقد إلى المئة ، وما زاد على المئة فلا يكون فيه بضع .
{ وقال للذي ظن أنه ناج منهما } الظان يوسف إن ذكر ذلك عن اجتهاد وإن ذكره عن وحي فهو الناجي إلا أن يؤول الظن باليقين . { اذكُرني عند ربك } اذكر حالي عند الملك كي يخلصني . { فأنساه الشيطان ذكر ربه } فأنسى الشرابي أن يذكره لربه ، فأضاف إليه المصدر لملابسته له أو على تقدير ذكر أخبار ربه ، أو أنسي يوسف ذكر الله حتى استعان بغيره ، ويؤيده قوله عليه الصلاة والسلام " رحم الله أخي يوسف لو لم يقل { اذكرني عند ربك } لما لبث في السجن سبعا بعد الخمس " . والاستعانة بالعباد في كشف الشدائد وإن كانت محمودة في الجملة لكنها لا تليق بمنصب الأنبياء . { فلبث في السجن بضع سنين } البضع ما بين الثلاث إلى التسع من البضع وهو القطع .
قال يوسف عليه السّلام للذي ظن نجاته من الفتيين وهو الساقي . والظن هنا مستعمل في القريب من القطع لأنه لا يشك في صحة تعبيره الرؤيا . وأراد بذكره ذكر قضيته ومظلمته ، أي اذكرني لربك ، أي سيدك . وأراد بربه ملك مصر .
وضميرا { فأنساه } و { ربه } يحتملان العود إلى { الذي } ، أي أنسى الشيطان الذي نجا أن يَذكره لربه ، فالذكر الثاني هو الذكر الأول . ويحتمل أن يعود الضميران إلى ما عاد إليه ضمير { وقال } أي يوسف عليه السّلام أنساه الشيطان ذكر الله ، فالذكر الثاني غير الذكر الأول . ولعل كلا الاحتمالين مراد ، وهو من بديع الإيجاز . وذلك أن نسيان يوسف عليه السّلام أن يَسأل الله إلهام الملِك تذكر شأنه كان من إلقاء الشيطان في أمنيته ، وكان ذلك سبباً إلهياً في نسيان الساقي تذكير الملك ، وكان ذلك عتاباً إلهياً ليوسف عليه السّلام على اشتغاله بعَون العباد دون استعانة ربه على خلاصه .
ولعل في إيراد هذا الكلام على هذا التوْجيه تلطفاً في الخبر عن يوسف عليه السّلام ، لأن الكلام الموجه في المعاني الموجهة ألطف من الصريح .
والبضع : من الثلاث إلى التسع .
وفيما حكاه القرآن عن حال سجنهم ما يُنبىء على أن السجن لم يكن مضبوطاً بسجل يذكر فيه أسماء المساجين ، وأسبابُ سجنهم ، والمدةُ المسجون إليها ، ولا كان من وزعة السجون ولا ممن فوقهم من يتعهّد أسباب السجن ويفتقد أمر المساجين ويرفع إلى الملك في يوم من الأسبوع أو من العام . وهذا من الإهمال والتهاون بحقوق الناس وقد أبطله الإسلام ، فإن من الشريعة أن ينظر القاضي أول ما ينظر فيه كلّ يوم أمرَ المساجين .