معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{نَّحۡنُ أَعۡلَمُ بِمَا يَقُولُونَۖ وَمَآ أَنتَ عَلَيۡهِم بِجَبَّارٖۖ فَذَكِّرۡ بِٱلۡقُرۡءَانِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ} (45)

قوله تعالى : { نحن أعلم بما يقولون } يعني : كفار مكة في تكذيبك ، { وما أنت عليهم بجبار } بمسلط تجبرهم على الإسلام إنما بعثت مذكراً ، { فذكر بالقرآن من يخاف وعيد } أي : ما أوعدت به من عصاني من العذاب . قال ابن عباس : قالوا : يا رسول الله لو خوفتنا ، فنزلت : { فذكر بالقرآن من يخاف وعيد } .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{نَّحۡنُ أَعۡلَمُ بِمَا يَقُولُونَۖ وَمَآ أَنتَ عَلَيۡهِم بِجَبَّارٖۖ فَذَكِّرۡ بِٱلۡقُرۡءَانِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ} (45)

{ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ } لك ، مما يحزنك ، من الأذى ، وإذا كنا أعلم بذلك ، فقد علمت كيف اعتناؤنا بك ، وتيسيرنا لأمورك ، ونصرنا لك على أعدائك ، فليفرح قلبك ، ولتطمئن نفسك ، ولتعلم أننا أرحم بك وأرأف ، من نفسك ، فلم يبق لك إلا انتظار وعد الله ، والتأسي بأولي العزم ، من رسل الله ، { وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ } أي : مسلط عليهم { إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ } ولهذا قال : { فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ } والتذكير ، [ هو ] تذكير ما تقرر في العقول والفطر ، من محبة الخير وإيثاره ، وفعله ، ومن بغض الشر ومجانبته ، وإنما يتذكر بالتذكير ، من يخاف وعيد الله ، وأما من لم يخف الوعيد ، ولم يؤمن به ، فهذا فائدة تذكيره ، إقامة الحجة عليه ، لئلا يقول : { ما جاءنا من بشير ولا نذير }

آخر تفسير سورة ( ق ) والحمد لله أولاً وآخرًا وظاهرًا وباطنًا

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{نَّحۡنُ أَعۡلَمُ بِمَا يَقُولُونَۖ وَمَآ أَنتَ عَلَيۡهِم بِجَبَّارٖۖ فَذَكِّرۡ بِٱلۡقُرۡءَانِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ} (45)

القول في تأويل قوله تعالى : { نّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِمْ بِجَبّارٍ فَذَكّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ } .

يقول تعالى ذكره : نحن يا محمد أعلم بما يقول هؤلاء المشركون بالله من فِريتهم على الله ، وتكذيبهم بآياته ، وإنكارهم قُدرة الله على البعث بعد الموت وَما أنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبّارٍ يقول : وما أنت عليهم بمسلط . كما :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد وَما أنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبّارٍ قال : لا تتجبر عليهم .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَما أنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبّارٍ فإن الله عزّ وجلّ كره الجبرية ، ونهى عنها ، وقدّم فيها . وقال الفرّاء : وضع الجبار في موضع السلطان من الجبرية وقال : أنشدني المفضل :

وَيَوْمَ الحَزْنِ إذْ حَشَدَتْ مَعَدّ *** وكانَ النّاسُ إلا نَحْنُ دِينا

عَصَيْنا عَزْمَةَ الجَبّارِ حَتّى *** صَبَحْنا الجَوْفَ ألْفا مُعْلَمِينا

ويروى : «الجوف » وقال : أراد بالجبار : المنذر لوَلايته .

قال : وقيل : إن معنى قوله : وَما أنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبّارٍ لم تُبعث لتجْبُرَهم على الإسلام ، إنما بعثت مذكّرا ، فذكّر . وقال : العرب لا تقول فعال من أفعلت ، لا يقولون : هذا خراج ، يريدون : مُخْرِج ، ولا يقولون : دخَال ، يريدون : مُدْخِل ، إنما يقولون : فعال ، من فعلت ويقولون : خراج ، من خرجت ودخال : من دخلت وقتّال ، من قتلت . قال : وقد قالت العرب في حرف واحد : درّاك ، من أدركت ، وهو شاذّ .

قال : فإن قلت الجبار على هذا المعنى ، فهو وجه . قال : وقد سمعت بعض العرب يقول : جبره على الأمر ، يريد : أجبره ، فالجبار من هذه اللغة صحيح ، يراد به : يقهرهم ويجبرهم .

وقوله : فَذَكّرْ بالقُرآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ يقول تعالى ذكره : فذكر يا محمد بهذا القرآن الذي أنزلته إليه من يخاف الوعيد الذي أوعدته من عصاني وخالف أمري .

حدثني نصر بن عبد الرحمن الأوديّ ، قال : حدثنا حكام الرازي ، عن أيوب ، عن عمرو الملائي ، عن ابن عباس ، قال : قالوا يا رسول الله لو خوّفتنا ؟ فنزلت فَذَكّرْ بالقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ .

حدثنا ابن حُميد ، قال : حدثنا حكام ، عن أيوب بن سيار أبي عبد الرحمن ، عن عمرو بن قيس ، قال : قالوا : يا رسول الله ، لو ذكّرتنا ، فذكر مثله .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{نَّحۡنُ أَعۡلَمُ بِمَا يَقُولُونَۖ وَمَآ أَنتَ عَلَيۡهِم بِجَبَّارٖۖ فَذَكِّرۡ بِٱلۡقُرۡءَانِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ} (45)

{ نحن أعلم بما يقولون } تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتهديد لهم . { وما أنت عليهم بجبار } بمسلط تقسرهم على الإيمان ، أو تفعل بهم ما تريد وإنما أنت داع . { فذكر بالقرآن من يخاف وعيد } فإنه لا ينتفع به غيره .

ختام السورة:

عن النبي صلى الله عليه وسلم " من قرأ سورة " ق " هون الله عليه تارات الموت وسكراته " . والله أعلم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{نَّحۡنُ أَعۡلَمُ بِمَا يَقُولُونَۖ وَمَآ أَنتَ عَلَيۡهِم بِجَبَّارٖۖ فَذَكِّرۡ بِٱلۡقُرۡءَانِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ} (45)

وقوله تعالى : { نحن أعلم بما يقولون } وعيد محض للكفرة .

واختلف الناس في معنى قوله : { وما أنت عليهم بجبار } . فقال قتادة : نهى الله عن التجبر وتقدم فيه ، فمعناه : وما أنت عليهم بمتعظم من الجبروت . وقال الطبري وغيره معناه : وما أنت عليهم بمسلط تجبرهم على الإيمان ، ويقال جبرته على كذا ، أي قسرته ف «جبار » بناء مبالغة من جبر وأنشد المفضل : [ الوافر ]

عصينا عزمة الجبار حتى . . . صحبنا الخوف إلفاً معلمينا{[10577]}

قال : أراد ب «الجبار » النعمان بن المنذر لولايته ، ويحتمل أن نصب عزمة على المصدر وأراد عصينا مقدمين عزمة جبار ، فمدح نفسه وقومه بالعتو والاستعلاء أخلاق الجاهلية والحياة الدنيا ، وروى ابن عباس أن المؤمنين قالوا : يا رسول الله لو خوفتنا ، فنزلت : { فذكر بالقرآن من يخاف وعيد } .

قال القاضي أبو محمد : ولو لم يكن هذا سبباً فإنه لما أعلمه أنه ليس بمسلط على جبرهم ، أمره بالاقتصار على تذكير الخائفين من الناس .


[10577]:هذا البيت من شواهد الفراء في (معاني القرآن)، ذكره مع بيت آخر فقال: "لست عليهم بمسلط، جعل الجبار في موضع السلطان من الجبرية، وانشدني المُفضل: ويوم الحزن إذ حشدت معد وكان الناس إلا نحن دينا عصينا عزمة الجبار حتى صحبنا الخوف إلفا معلمينا وقد استشهد صاحب اللسان بالشطر الثاني من البيت الأول على أن(دين) بمعنى (دائن)، قال:"قوم دين أي دائنون" قال: وذكر النصف الثاني من البيت. وروي الشطر الثاني من البيت الثاني في (معاني القرآن):"صبحنا الجوف إلفا معلمينا"، ثم ذكر أن المراد بالجبار هو النعمان بن المنذر لأنه كان واليا عليهم. والإلف: المألوف الذي اعتاده الناس.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{نَّحۡنُ أَعۡلَمُ بِمَا يَقُولُونَۖ وَمَآ أَنتَ عَلَيۡهِم بِجَبَّارٖۖ فَذَكِّرۡ بِٱلۡقُرۡءَانِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ} (45)

استئناف بياني ناشىء عن قوله { فاصبر على ما يقولون } [ ق : 39 ] فهو إيغال في تسلية النبي صلى الله عليه وسلم وتعريض بوعيدهم ، فالخبر مستعمل مجازاً في وعد الرسول صلى الله عليه وسلم بأن الله سيعاقب أعداءه .

وقوله : { وما أنت عليهم بجبار } تطمين للرسول صلى الله عليه وسلم بأنه غير مسؤول عن عدم اهتدائهم لأنه إنما بُعث داعياً وهادياً ، وليس مبعوثاً لإرغامهم على الإيمان ، والجبّار مشتق من جبره على الأمر بمعنى أكرهه . وفرع عليه أمره بالتذكير لأنه ناشىء عن نفي كونه جبّاراً عليهم وهذا كقوله تعالى : { فذكّر إنما أنت مذكّر لستَ عليهم بمسيطر } [ الغاشية : 21 ، 22 ] ، ولكن خصّ التذكير هنا بالمؤمنين لأنه أراد التذكير الذي ينفع المذكَّر . فالمعنى : فذكر بالقرآن فيتذكّر مَن يخاف وعيد . وهذا كقوله : { إنما أنت منذر من يخشاها } [ النازعات : 45 ] .

وكتب في المصحف { وعيد } بدون ياء المتكلم فقرأه الجمهور بدون ياء في الوصل والوقف على أنه من حذف التخفيف . وقرأه ورش عن نافع بإثبات الياء في الوصل . وقرأه يعقوب بإثبات الياء في الوصل والوقف .