معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَلَمَّا جَآءَهُمۡ كِتَٰبٞ مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِ مُصَدِّقٞ لِّمَا مَعَهُمۡ وَكَانُواْ مِن قَبۡلُ يَسۡتَفۡتِحُونَ عَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَآءَهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِۦۚ فَلَعۡنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ} (89)

قوله تعالى : { ولما جاءهم كتاب من عند الله } . يعني القرآن .

قوله تعالى : { مصدق } . موافق .

قوله تعالى : { لما معهم } . يعني التوراة .

قوله تعالى : { وكانوا } . يعني اليهود .

قوله تعالى : { من قبل } . من قبل مبعث محمد صلى الله عليه وسلم .

قوله تعالى : { يستفتحون } . يستنصرون .

قوله تعالى : { على الذين كفروا } . على مشركي العرب ، وذلك أنهم كانوا يقولون إذا حزبهم أمر ودهمهم عدو : اللهم انصرنا عليهم بالنبي المبعوث في آخر الزمان ، الذي نجد صفته في التوراة ، فكانوا ينصرون ، وكانوا يقولون لأعدائهم من المشركين قد أظل زمان نبي يخرج بتصديق ما قلنا فنقتلكم معه قتل عاد وثمود وإرم . قوله تعالى : { فلما جاءهم ما عرفوا } . يعني محمداً صلى الله عليه وسلم من غير بني إسرائيل وعرفوا نعته وصفته .

قوله تعالى : { كفروا به } . بغياً وحسداً .

قوله تعالى : { فلعنة الله على الكافرين } .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَلَمَّا جَآءَهُمۡ كِتَٰبٞ مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِ مُصَدِّقٞ لِّمَا مَعَهُمۡ وَكَانُواْ مِن قَبۡلُ يَسۡتَفۡتِحُونَ عَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَآءَهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِۦۚ فَلَعۡنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ} (89)

{ وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ * بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ }

أي : ولما جاءهم كتاب من عند الله على يد أفضل الخلق وخاتم الأنبياء ، المشتمل على تصديق ما معهم من التوراة ، وقد علموا به ، وتيقنوه حتى إنهم كانوا إذا وقع{[93]}  بينهم وبين المشركين في الجاهلية حروب ، استنصروا بهذا النبي ، وتوعدوهم بخروجه ، وأنهم يقاتلون المشركين معه ، فلما جاءهم هذا الكتاب والنبي الذي عرفوا ، كفروا به ، بغيا وحسدا ، أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده ، فلعنهم الله ، وغضب عليهم غضبا بعد غضب ، لكثرة كفرهم وتوالى شكهم وشركهم .


[93]:- في ب: على أنهم إذا كان وقع.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَلَمَّا جَآءَهُمۡ كِتَٰبٞ مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِ مُصَدِّقٞ لِّمَا مَعَهُمۡ وَكَانُواْ مِن قَبۡلُ يَسۡتَفۡتِحُونَ عَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَآءَهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِۦۚ فَلَعۡنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ} (89)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ وَلَمّا جَآءَهُمْ كِتَابٌ مّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدّقٌ لّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمّا جَآءَهُمْ مّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ }

يعني جل ثناؤه بقوله : وَلَمّا جاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللّهِ مُصَدّق لِمَا مَعَهُمْ : ولما جاء اليهود من بني إسرائيل الذين وصف جل ثناؤه صفتهم ، كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللّهِ يعني بالكتاب : القرآن الذي أنزله الله على محمد صلى الله عليه وسلم ، مُصَدّقٌ لِمَا مَعَهُمْ يعني مصدّق للذي معهم من الكتب التي أنزلها الله من قبل القرآن . كما :

حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : وَلَمّا جاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللّهِ مُصَدّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وهو القرآن الذي أنزل على محمد مصدق لما معهم من التوراة والإنجيل .

حدثت عن عمار بن الحسن ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع في قوله : وَلَمّا جاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللّهِ مُصَدّق لِمَا مَعَهُمْ وهو القرآن الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم مصدق لما معهم من التوراة والإنجيل .

القول في تأويل قوله تعالى : { وكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ على الّذِينَ كَفَرُوا فَلَمّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ } .

يعني بقوله جل ثناؤه : { وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ على الّذِينَ كَفَرُوا } أي وكان هؤلاء اليهود الذين لما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم من الكتب التي أنزلها الله قبل الفرقان ، كفروا به يستفتحون بمحمد صلى الله عليه وسلم ومعنى الاستفتاح : الاستنصار يستنصرون الله به على مشركي العرب من قبل مبعثه أي من قبل أن يبعث . كما :

حدثني ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، قال : حدثني ابن إسحاق ، عن عاصم بن عمر بن قتادة الأنصاري ، عن أشياخ منهم قالوا : فينا والله وفيهم يعني في الأنصار وفي اليهود الذين كانوا جيرانهم نزلت هذه القصة ، يعني : { وَلَمّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللّهِ مُصَدّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ على الّذِينَ كَفَرُوا } قالوا : كنا قد علوناهم دهرا في الجاهلية ، ونحن أهل الشرك ، وهم أهل الكتاب ، فكانوا يقولون : إن نبيّا الاَن مبعثه قد أظل زمانه ، يقتلكم قَتْلَ عادٍ وإرَم فلما بعث الله تعالى ذكره رسوله من قريش واتبعناه كفروا به . يقول الله : فَلَمّا جاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ .

حدثنا بن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، قال : حدثني ابن إسحاق ، قال : حدثني محمد بن أبي محمد مولى آل زيد بن ثابت ، عن سعيد بن جبير أو عكرمة مولى ابن عباس ، عن ابن عباس : أن يهود كانوا يستفتحون على الأوس والخزرج برسول الله صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه . فلما بعثه الله من العرب ، كفروا به ، وجحدوا ما كانوا يقولون فيه ، فقال لهم معاذ بن جبل وبشر بن البراء بن معرور أخو بني سلمة : يا معشر يهود ، اتقوا الله وأسلموا فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمد صلى الله عليه وسلم ونحن أهل شِرْك ، وتخبروننا أنه مبعوث ، وتصفونه لنا بصفته . فقال سلام بن مشكم أخو بني النضير : ما جاءنا بشيء نعرفه ، وما هو بالذي كنا نذكر لكم فأنزل الله جل ثناؤه في ذلك من قوله : { وَلَمّا جاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللّهِ مُصَدّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الّذِينَ كَفَرُوا فَلَمّا جاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللّهِ على الكافِرِينَ } .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا يونس بن بكير ، قال : حدثنا ابن إسحاق ، قال : حدثني محمد بن أبي محمد مولى آل زيد بن ثابت ، قال : حدثني سعيد بن جبير أو عكرمة ، عن ابن عباس ، مثله .

حدثني محمد بن سعد ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثني عمي ، قال : حدثني أبي عن أبيه ، عن ابن عباس : { وكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ على الّذِينَ كَفَرُوا }يقول : يستنصرون بخروج محمد صلى الله عليه وسلم على مشركي العرب يعني بذلك أهل الكتاب فلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم ورأوه من غيرهم كفروا به وحسدوه .

وحدثنا محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثني عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن عليّ الأزدي في قول الله :

{ وكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ على الّذِينَ كَفَرُوا } قال : اليهود ، كانوا يقولون : اللهمّ ابعث لنا هذا النبيّ يحكم بيننا وبين الناس يَسْتَفْتِحُونَ يستنصرون به على الناس .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، على عن الأزدي وهو البارقي في قول الله جل ثناؤه : { وكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ } فذكر مثله .

حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : { وكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ على الّذِينَ كَفَرُوا } كانت اليهود تستفتح بمحمد صلى الله عليه وسلم على كفار العرب من قبل ، وقالوا : اللهمّ ابعث هذا النبيّ الذي نجده في التوراة يعذّبهم ويقتلهم فلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم فرأوا أنه بعث من غيرهم كفروا به حسدا للعرب ، وهم يعلمون أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة فَلَمّا جَاءَهُمْ مَا عرَفُوا كَفَرُوا بِهِ .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا آدم ، قال : حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية ، قال : كانت اليهود تستنصر بمحمد صلى الله عليه وسلم على مشركي العرب ، يقولون : اللهمّ ابعث هذا النبيّ الذي نجده مكتوبا عندنا حتى يعذّب المشركين ويقتلهم فلما بعث الله محمدا ورأوا أنه من غيرهم كفروا به حسدا للعرب ، وهم يعلمون أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الله : فَلَمّا جاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللّهِ على الكافِرِينَ .

حدثني موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : { ولمّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللّهِ مُصَدّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ على الّذِينَ كَفَرُوا فَلَمّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ } قال : كانت العرب تمرّ باليهود فيؤذونهم ، وكانوا يجدون محمدا صلى الله عليه وسلم في التوراة ، ويسألون الله أن يبعثه فيقاتلوا معه العرب فلما جاءهم محمد كفروا به حين لم يكن من بني إسرائيل .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : قلت لعطاء قوله : { وَكَانُوا مِنْ قَبْل يَسْتَفْتِحُونَ عَلى الّذِينَ كَفَرُوا } قال : كانوا يستفتحون على كفار العرب بخروج النبيّ صلى الله عليه وسلم ، ويرجون أن يكون منهم . فلما خرج ورأوه ليس منهم كفروا ، وقد عرفوا أنه الحقّ وأنه النبيّ . قال : { فَلَمّا جاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللّهِ على الكافِرِينَ } .

قال : حدثنا ابن جريج ، وقال مجاهد : يستفتحون بمحمد صلى الله عليه وسلم تقول أنه يخرج ، فَلَمّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا وكان من غيرهم ، كَفَرُوا بِهِ .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، قال : قال ابن جريج : وقال ابن عباس : كانوا يستفتحون على كفار العرب .

حدثني المثنى ، قال : حدثني الحماني ، قال : حدثني شريك ، عن أبي الحجاب ، عن مسلم البطين ، عن سعيد بن جبير قوله : { فَلَمّا جاءهُمْ مَا عرَفُوا كَفَرُوا بِهِ } قال : هم اليهود عرفوا محمدا أنه نبيّ ، وكفروا به .

حدثت عن المنجاب ، قال : حدثنا بشر ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس في قوله : { وكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ على الّذِينَ كَفَرُوا } قال : كانوا يستظهرون يقولون نحن نعين محمدا عليهم ، وليسوا كذلك يكذبون .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : سألت ابن زيد عن قول الله عزّ وجل : { وكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ على الّذِينَ كَفَرُوا فَلَمّا جاءَهُمْ مَا عَرفُوا كَفَرُوا بِهِ } قال : كانت يهود يستفتحون على كفار العرب يقولون : أما والله لو قد جاء النبيّ الذي بشر به موسى وعيسى : أحمد لكان لنا عليكم . وكانوا يظنون أنه منهم والعرب حولهم ، وكانوا يستفتحون عليهم به ويستنصرون به فَلَمّا جاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ وحسدوه . وقرأ قول الله جل ثناؤه : { كُفّارا حَسَدا مِنْ عِنْدِ أنْفُسِهمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيّنَ لَهُمُ الحَقّ } قال : قد تبين لهم أنه رسول ، فمن هنالك نفع الله الأوس والخزرج بما كانوا يسمعون منهم أن نبيّا خارج .

فإن قال لنا قائل : فأين جواب قوله : { وَلَمّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللّهِ مُصَدق لِمَا مَعَهُمْ } ؟ قيل : قد اختلف أهل العربية في جوابه ، فقال بعضهم : هو مما تُرك جوابه استغناء بمعرفة المخاطبين به بمعناه وبما قد ذكر من أمثاله في سائر القرآن . وقد تفعل العرب ذلك إذا طال الكلام ، فتأتي بأشياء لها أجوبة فتحذف أجوبتها لاستغناء سامعيها بمعرفتهم بمعناها عن ذكر الأجوبة ، كما قال جل ثناؤه : وَلَوْ أَنّ قُرآنا سُيّرَتْ بِهِ الجِبَالُ أوْ قُطّعَتْ بِهِ الأرْضُ أوّ كُلّمَ بِهِ المَوْتَى بَلْ لِلّهِ الأمْرُ جَمِعيا فترك جوابه . والمعنى :

{ ولو أن قرآنا سوى هذا القرآن سيرت به الجبال لسُيّرت بهذا القرآن } استغناءً بعلم السامعين بمعناه . قالوا : فكذلك قوله : وَلَمّا جَاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللّهِ مُصَدّقٌ لِمَا مَعَهُمْ .

وقال آخرون : جواب قوله : وَلَمّا جاءَهُمْ كِتاب مِنْ عِنْدِ اللّهِ في «الفاء » التي في قوله : { فَلَمّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ }وجواب الجزاءين في «كفروا به » كقولك : لما قمت فلما جئتنا أحسنت ، بمعنى : لما جئتنا إذْ قمتَ أحسنتَ .

القول في تأويل قوله تعالى : فَلَعنَةُ اللّهِ على الكافِرِينَ .

قد دللنا فيما مضى على معنى اللعنة وعلى معنى الكفر ، بما فيه الكفاية . فمعنى الآية : فخزي الله وإبعاده على الجاحدين ما قد عرفوا من الحقّ عليهم لله ولأنبيائه المنكرين ، لما قد ثبت عندهم صحته من نبوة محمد صلى الله عليه وسلم . ففي إخبار الله عزّ وجل عن اليهود بما أخبر الله عنهم بقوله : { فَلَمّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ } البيان الواضح أنهم تعمدوا الكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم بعد قيام الحجة بنبوّته عليهم وقطع الله عذرهم بأنه رسوله إليهم .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَلَمَّا جَآءَهُمۡ كِتَٰبٞ مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِ مُصَدِّقٞ لِّمَا مَعَهُمۡ وَكَانُواْ مِن قَبۡلُ يَسۡتَفۡتِحُونَ عَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَآءَهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِۦۚ فَلَعۡنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ} (89)

{ ولما جاءهم كتاب من عند الله } يعني القرآن { مصدق لما معهم } من كتابهم ، وقرئ بالنصب على الحال من كتاب لتخصصه بالوصف ، وجواب لما ، محذوف دل عليه جواب لما الثانية . { وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا } أي يستنصرون على المشركين ويقولون : اللهم انصرنا بنبي آخر الزمان المنعوت ، في التوراة . أو يفتحون عليهم ويعرفونهم أن نبيا يبعث منهم ، وقد قرب زمانه ، والسين للمبالغة والإشعار أن الفاعل يسأل ذلك عن نفسه { فلما جاءهم ما عرفوا } من الحق . { كفروا به } حسدا وخوفا على الرياسة . { فلعنة الله على الكافرين } أي عليهم ، وأتى بالمظهر للدلالة على أنهم لعنوا لكفرهم ، فتكون اللام للعهد ، ويجوز أن تكون للجنس ويدخلون فيه دخولا أوليا لأن الكلام فيهم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَلَمَّا جَآءَهُمۡ كِتَٰبٞ مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِ مُصَدِّقٞ لِّمَا مَعَهُمۡ وَكَانُواْ مِن قَبۡلُ يَسۡتَفۡتِحُونَ عَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَآءَهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِۦۚ فَلَعۡنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ} (89)

{ وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ } ( 89 )

الكتاب القرآن ، و { مصدق لما معهم } يعني التوراة ، وروي أن في مصحف أبي بن كعب «مصدقاً » بالنصب( {[928]} ) .

و { يستفتحون } معناه أن بني إسرائيل كانوا قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم قد علموا خروجه بما عندهم من صفته وذكر وقته ، وظنوا أنه منهم ، فكانوا إذا حاربوا الأوس والخزرج فغلبتهم العرب قالوا لهم : لو قد خرج النبي الذي قد أظل( {[929]} ) وقته لقاتلناكم معه واستنصرنا عليكم به و { يستفتحون } معناه يستنصرون( {[930]} ) ، وفي الحديث : «كان رسول الله صلى الله عيله وسلم يستفتح بصعاليك المهاجرين »( {[931]} ) ، وروي أن قريظة والنضير وجميع يهود الحجاز في ذلك الوقت كانوا يستفتحون على سائر العرب ، وبسبب خروج النبي المنتظر كانت نقلتهم إلى الحجاز وسكناهم به ، فإنهم كانوا علموا صقع( {[932]} ) المبعث ، وما عرفوا أنه محمد عليه السلام وشرعه ، ويظهر من هذه الآيات العناد منهم ، وان كفرهم كان مع معرفة ومعاندة ، «ولعنة الله » : معناه إبعاده لهم وخزيهم لذلك .

واختلفت النحاة في جواب { لما }( {[933]} ) و { لِما } الثانية في هذه الآية . فقال أبو العباس المبرد : جوابهما في قولَه : { كَفروا } ، وأعيدت { لما } الثانية لطول الكلام ، ويفيد ذلك تقريراً للذنب ، وتأكيداً له ، وقال الزجاج : { لما } الأولى لا جواب لها للاستغناء عن ذلك بدلالة الظاهر من الكلام عليه ؟

قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه : فكأنه محذوف ، وقال الفراء : جواب { لما } الأولى في الفاء وما بعدها ، وجواب { لما } الثانية { كفروا } .


[928]:- أي على الحال من [كتاب] لتخصيص النكرة بالصفة.
[929]:- في بعض النسخ بالطاء المهملة، وفي بعضها بالظاء المشالة، وكلاهما صالح. يقال: أطل الشهر وأظل بمعنى قرُب.
[930]:- قيل: إنهم كانوا قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم يطلبون من الله النصر على أعدائهم بالنبي المبعوث في آخر الزمان الذي يجدون صفته عندهم في التوراة، فعلى ما قاله المؤلف رحمه الله كانوا يستنصرون بمخرجه ومبعثه، وعلى هذا القول كانوا يستنصرون بحقه وجاهه.
[931]:- أي بفقرائهم، والمراد أنه يستنصر بدعائهم وصلاتهم وجهادهم، وفي النسائي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنما ينصر الله هذه الأمة بضعفائها.
[932]:- الصُّقْع: الناحية- يقال: فلان من هذا الصقع، أي من هذه الناحية.
[933]:- أي: الأولى.