{ وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم وإن ربك لشديد العقاب* ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه } ، أي : على محمد صلى الله عليه وسلم { آية من ربه } ، أي : علامة وحجة على نبوته ، قال الله تعالى : { إنما أنت منذر } ، مخوف ، { ولكل قوم هاد } ، أي لكل قوم نبي يدعوهم إلى الله تعالى . وقال الكلبي : داع يدعوهم إلى الحق أو إلى الضلالة . وقال عكرمة : الهادي محمد صلى الله عليه وسلم ، يقول : إنما أنت منذر وأنت هاد لكل قوم ، أي : داع . وقال سعيد بن جبير : الهادي هو الله تعالى .
{ 7 } { وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ }
أي : ويقترح الكفار عليك من الآيات ، التي يعينونها ويقولون : { لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ } ويجعلون هذا القول منهم ، عذرا لهم في عدم الإجابة إلى الرسول ، والحال أنه منذر ليس له من الأمر شيء ، والله هو الذي ينزل الآيات .
وقد أيده بالأدلة البينات التي لا تخفى على أولي الألباب ، وبها يهتدي من قصده الحق ، وأما الكافر الذي -من ظلمه وجهله- يقترح على الله الآيات فهذا اقتراح منه باطل وكذب وافتراء{[453]}
فإنه لو جاءته أي آية كانت لم يؤمن ولم ينقد ؛ لأنه لم يمتنع من الإيمان ، لعدم ما يدله على صحته وإنما ذلك لهوى نفسه واتباع شهوته { وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ } أي : داع يدعوهم إلى الهدى من الرسل وأتباعهم ، ومعهم من الأدلة والبراهين ما يدل على صحة ما معهم من الهدى .
ثم حكى - سبحانه - لوناً آخر من رذائلهم ، وهو عدم اعتدادهم بالقرآن الكريم ، الذي هو أعظم الآيات والمعجزات فقال - تعالى - : { وَيَقُولُ الذين كَفَرُواْ لولا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ . . . }
و { لولا } هنا حرف تحضيض بمعنى هلا .
ومرادهم بالآية : معجزة كونية كالتى جاء بها موسى من إلقائه العصى فإذا هي حية تسعى ، أو كالتى جاء بها عيسى من إبرائه الأكمه والأبرص وإحيائه الموتى بإذن الله ، أو كما يقترحون هم من جعل جبل الصفا ذهباً . . .
لأن القرآن - في زعمهم - ليس كافياً لكونه معجزة دالة على صدقه - صلى الله عليه وسلم - .
أى : ويقول هؤلاء الكافرون الذين عموا وصموا على الحق واستعجلوا العذاب . هلا أنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم - آية أخرى غير القرآن الكريم تدل على صدقه .
ولقد حكى القرآن مطالبهم المتعنتة في آيات كثيرة ، منها قوله - تعالى - : { وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حتى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأرض يَنْبُوعاً . أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأنهار خِلالَهَا تَفْجِيراً . . . } وقد رد الله - تعالى - عليهم ببيان وظيفة النبى - صلى الله عليه وسلم - فقال { إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرٌ . . . } .
أى : أن وظيفتك - أيها الرسول الكريم - هي إنذار هؤلاء الجاحدين بسوء المصير ، إذا ما لجوا في طغيانهم ، وأصروا على كفرهم وعنادهم وليس من وظيفتك الإِتيان بالخوارق التي طلبوها منك .
وإنما قصر - سبحانه - هنا وظيفة النبى - صلى الله عليه وسلم - على الإِنذار ، لأنه هو المناسب لأحوال المشركين الذين أنكروا كون القرآن معجزة .
وقوله { وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ } أى : ولكل قوم نبى يهديهم إلى الحق والرشاد بالوسلة التي يراها مناسبة لأحوالهم ، وأنا - أيها الرسول الكريم - قد جئتهم بهذا القرآن الكريم الهادى للتى هي أقوم . والذى هو خير وسيلة لإِرشاد الناس إلى ما يسعدهم في دينهم ودنياهم وآخرتهم .
قال الشيخ القاسمى : " أو المعنى : ولكل قوم هاد عظيم الشأن ، قادر على هدايتهم . هو الله - تعالى - فما عليك إلا إنذارهم لا هدايتهم كما قال - تعالى - { لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ ولكن الله يَهْدِي مَن يَشَآءُ . . . } أو المعنى : { وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ } أى : قائد يهديهم إلى الرشد ، وهو الكتاب المنزل عليهم ، الداعى بعنوان الهداية إلى ما فيه صلاحهم .
يعنى : أن سر الإِرسال وآيته الفريدة إنما هو الدعاء إلى الهدى ، وتبصير سبله ، والإِنذار من الاسترسال في مساقط الردى . وقد أنزل عليك من الهدى أحسنه ، فكفى بهدايته آية كبرى وخارقة عظمى . وأما الآيات المقترحة فأمرها إلى الله وحده . . .
عطف على جملة { ويستعجلونك بالسيئة } الآية . وهذه حالة من أعجوباتهم وهي عدم اعتدادهم بالآيات التي تأيّد بها محمّد صلى الله عليه وسلم وأعظمها آيات القرآن ، فلا يزالون يسألون آية كما يقترحونها ، فله اتصال بجملة { ولكن أكثر الناس لا يؤمنون } [ هود : 17 ] .
ومرادهم بالآية في هذا خارق عادة على حساب ما يقترحون ، فهي مخالفة لما تقدم في قوله : { ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة } لأن تلك في تعجيل ما توعدهم به ، وما هنا في مجيء آية تؤيده كقولهم : { لولا أنزل عليه ملك } [ الأنعام : 8 ] .
ولكون اقتراحهم آية يُشفّ عن إحالتهم حصولها لجهلهم بعظيم قدرة الله تعالى سيق هذا في عداد نتائج عظيم القدرة ، كما دل عليه قوله تعالى في سورة الأنعام : { وقالوا لولا نزل عليه آية من ربه قل إن الله قادر على أن ينزل آية ولكن أكثرهم لا يعلمون } [ الأنعام : 36 ] فبذلك انتظم تفرع الجمل بعضها على بعض وتفرع جميعها على الغرض الأصلي .
والذين كفروا هم عين أصحاب ضمير { يستعجلونك } ، وإنما عدل عن ضميرهم إلى اسم الموصول لزيادة تسجيل الكفر عليهم ، ولما يومىءُ إليه الموصول من تعليل صدور قولهم ذلك .
وصيغة المضارع تدل على تجدد ذلك وتكرره .
و { لولا } حرف تحضيض . يموهون بالتحضيض أنهم حريصون وراغبون في نزول آية غير القرآن ليؤمنوا ، وهم كاذبون في ذلك إذ لو أوتوا آية كما يقترحون لكفروا بها ، كما قال تعالى : { وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون } [ الإسراء : 59 ] .
وقد رد الله اقتراحهم من أصله بقوله : { إنما أنت منذر } ، فقصر النبي صلى الله عليه وسلم على صفة الإنذار وهو قصر إضافي ، أي أنت منذر لا مُوجد خوارق عادٍ . وبهذا يظهر وجه قصره على الإنذار دون البشارة لأنه قصر إضافي بالنسبة لأحواله نحو المشركين .
وجملة { ولكل قوم هاد } تذييل بالأعم ، أي إنما أنت منذر لهؤلاء لهدايتهم ، ولكل قوم هاد أرسله الله ينذرهم لعلهم يهتدون ، فما كنت بِدعاً من الرسل وما كان للرسل من قبلك آيات على مقترح أقوامهم بل كانت آياتهم بحسب ما أراد الله أن يظهر على أيديهم . على أن معجزات الرسل تأتي على حسب ما يلائم حال المرسل إليهم .
ولما كان الذين ظهرت بينهم دعوة محمد صلى الله عليه وسلم عرباً أهل فصاحة وبلاغة جعل الله معجزته العظمى القرآن بلسان عربي مبين . وإلى هذا المعنى يشير قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : " ما من الأنبياء نبيء إلا أوتي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر وإنما كان الذي أوتيتُ وحَيْا أوحاه الله إليّ فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة " .
وبهذا العموم الحاصل بالتذييل والشامل للرسول عليه الصلاة والسلام صار المعنى إنما أنت منذر لقومك هادٍ إياهم إلى الحق ، فإن الإنذار والهدي متلازمان فما من إنذار إلاّ وهو هداية وما من هداية إلا وفيها إنذار ، والهداية أعمّ من الإنذار ففي هذا احتباك بديع .
وقرأ الجمهور { هادٍ } بدون ياء في آخره في حالتي الوصل والوقف . أما في الوصل فلالتقاء الساكنين سكون الياء وسكون التنوين الذي يجب النطق به في حالة الوصل ، وأما في حالة الوقف فتبعا لحالة الوصل ، وهو لغة فصيحة وفيه متابعة رسم المصحف .
وقرأه ابن كثير في الوصل مثل الجمهور . وقرأه بإثبات الياء في الوقف لزوال مُوجب حذف الياء وهو لغة صحيحة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.