معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{أَمَّن يُجِيبُ ٱلۡمُضۡطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكۡشِفُ ٱلسُّوٓءَ وَيَجۡعَلُكُمۡ خُلَفَآءَ ٱلۡأَرۡضِۗ أَءِلَٰهٞ مَّعَ ٱللَّهِۚ قَلِيلٗا مَّا تَذَكَّرُونَ} (62)

قوله تعالى : { أمن يجيب المضطر } المكروب المجهود ، { إذا دعاه ويكشف السوء } الضر ، { ويجعلكم خلفاء الأرض } سكانها يهلك قرناً وينشئ آخر ، وقيل : يجعل أولادكم خلفاءكم وقيل : جعلكم خلفاء الجن في الأرض . { أإله مع الله قليلاً ما تذكرون } قرأ أبو عمرو بالياء والآخرون بالتاء .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{أَمَّن يُجِيبُ ٱلۡمُضۡطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكۡشِفُ ٱلسُّوٓءَ وَيَجۡعَلُكُمۡ خُلَفَآءَ ٱلۡأَرۡضِۗ أَءِلَٰهٞ مَّعَ ٱللَّهِۚ قَلِيلٗا مَّا تَذَكَّرُونَ} (62)

أي : هل يجيب المضطرب الذي أقلقته الكروب وتعسر عليه المطلوب واضطر للخلاص مما هو فيه إلا الله وحده ؟ ومن يكشف السوء أي : البلاء والشر والنقمة إلا الله وحده ؟ ومن يجعلكم خلفاء الأرض يمكنكم منها ويمد لكم بالرزق ويوصل إليكم نعمه وتكونون خلفاء من قبلكم كما أنه سيميتكم ويأتي بقوم بعدكم أإله مع الله يفعل هذه الأفعال ؟ لا أحد يفعل مع الله شيئا من ذلك حتى بإقراركم أيها المشركون ، ولهذا كانوا إذا مسهم الضر دعوا الله مخلصين له الدين لعلمهم أنه وحده المقتدر على دفعه وإزالته ، { قَلِيلا مَا تَذَكَّرُونَ } أي : قليل تذكركم وتدبركم للأمور التي إذا تذكرتموها ادَّكرتم ورجعتم إلى الهدى ، ولكن الغفلة والإعراض شامل لكم فلذلك ما ارعويتم ولا اهتديتم .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{أَمَّن يُجِيبُ ٱلۡمُضۡطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكۡشِفُ ٱلسُّوٓءَ وَيَجۡعَلُكُمۡ خُلَفَآءَ ٱلۡأَرۡضِۗ أَءِلَٰهٞ مَّعَ ٱللَّهِۚ قَلِيلٗا مَّا تَذَكَّرُونَ} (62)

ثم تنتقل السورة - للمرة الثالثة - إلى لفت أنظارهم إلى الحقيقة التى هم يحسونها فى خاصة أنفسهم ، وفى حنايا قلوبهم فتقول : { أَمَّن يُجِيبُ المضطر إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السواء } .

والمضطر : اسم مفعول من الاضطرار الذى هو افتعال من الضرورة .

والمراد به : الإنسان الذى نزلت به شدة من الشدائد . جعلته يرفع أكف الضراعة إلى الله - تعالى - لكى يكشفها عنه .

أى : وقولوا لنا - أيها المشركون - : من الذين يجيب دعوة الداعى المكروب الذى نزلت به المصائب والرزايا ؟ ومن الذى يكشف عنه وعن غيره السوء والبلاء ؟ إنه الله وحده ، هو الذى يجيب دعاء من التجأ إليه ، وهو وحده - سبحانه - الذى يكشف السوء عن عباده ، على حسب ما تقتضيه إرادته وحكمته .

وقولوا لنا - أيضا - : من الذى { يَجْعَلُكُمْ خُلَفَآءَ الأرض } أى : من الذى يجعلكم يخلف بعضكم بعضا . قرنا بع قرن وجيلا بعد جيل { أإله مَّعَ الله } هو الذى فعل ذلك .

كلا ، بل الله وحده - عز وجل - هو الذى يجيب المضطر ، وهو الذى يكشف السوء ، وهو الذي يجعلكم خلفاء الأرض ، ولكنكم { قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ } أى : ولكنكم زمانا قليلا هو الذى تتذكرون فيه نعم الله - تعالى - عليكم ، ورحمته بكم .

وختم - سبحانه - هذه الآية بتلك الجملة الحكيمة ، لأن الإنسان من شأنه - إلا من عصم الله - أنه يذكر الله - تعالى - عند الشدائد ، وينساه عند الرخاء .

وصدق الله إذ يقول : { وَإِذَآ أَنْعَمْنَا عَلَى الإنسان أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشر فَذُو دُعَآءٍ عَرِيضٍ }

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{أَمَّن يُجِيبُ ٱلۡمُضۡطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكۡشِفُ ٱلسُّوٓءَ وَيَجۡعَلُكُمۡ خُلَفَآءَ ٱلۡأَرۡضِۗ أَءِلَٰهٞ مَّعَ ٱللَّهِۚ قَلِيلٗا مَّا تَذَكَّرُونَ} (62)

{ أمن يجيب المضطر إذا دعاه } المضطر الذي أحوجه شدة ما به إلى اللجوء إلى الله تعالى من الاضطرار ، وهو افتعال من الضرورة واللام فيه للجنس لا للاستغراق فلا يلزم منه إجابة كل مضطر . { ويكشف السوء } ويدفع عن الإنسان ما يسوءه . { ويجعلكم خلفاء الأرض } خلفاء فيها بأن ورثكم سكناها والتصرف فيها ممن قبلكم . { أإله مع الله } الذي خصكم بهذه النعم العامة والخاصة . { قليلا ما تذكرون } أي تذكرون آلاءه تذكرا قليلا ، وما مزيدة والمراد بالقلة العدم أو الحقارة المزيحة للفائدة . وقرأ أبو عمرو وهشام وروح بالياء وحمزة والكسائي وحفص بالتاء وتخفيف الذال .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{أَمَّن يُجِيبُ ٱلۡمُضۡطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكۡشِفُ ٱلسُّوٓءَ وَيَجۡعَلُكُمۡ خُلَفَآءَ ٱلۡأَرۡضِۗ أَءِلَٰهٞ مَّعَ ٱللَّهِۚ قَلِيلٗا مَّا تَذَكَّرُونَ} (62)

ارتقى الاستدلال من التذكير بالتصرف الرباني في ذوات المخلوقات إلى التذكير بتصرفه في أحوال الناس التي لا يخلو عنها أحد في بعض شؤون الحياة وذلك حال الاضطرار إلى تحصيل الخير ، وحال انتياب السوء ، وحال التصرف في الأرض ومنافعها . فهذه ثلاثة الأنواع لأحوال البشر . وهي : حالة الاحتياج ، وحالة البؤس ، وحالة الانتفاع .

فالأولى : هي المضمنة في قوله { أمن يجيب المضطر إذا دعاه } فالمضطر هو ذو الضرورة أي الحالة المحوجة إلى الأشياء العسرة الحصول ، وهذه مرتبة الحاجيات فالمرء محتاج إلى أمور كثيرة بها قوام أوده ليست متصلة بذاته مثل الأقوات والنكاح والملابس اللازمة فالمرء يتطلبها بوجوه من المعاوضات ، وقد يتعسر بعضها وهي تتعسر بقدر وفرة منافعها وعزة حصولها فيسأل الله أن يعطيها .

والاضطرار : افتعال من الضرورة لا من الضر . وتقديره : أنه نالته الضرورة فطاوعها . وليس له فعل مجرد وإنما يقال : اضطره كذا إلى كذا .

واللام في { المضطر } لتعريف الجنس المسمى بلام العهد الذهني ، أي يجيب فرداً معهوداً في الذهن بحالة الاضطرار .

والإجابة : إعطاء الأمر المسؤول . والمعنى : أن المضطر إذا دعا لتحصيل ما اضطر إليه فإنه لا يجيبه إلا الله بقطع النظر عن كونه يجيب بعضاً ويؤخر بعضاً .

وحالة البؤس : هي المشار إليها بقوله { ويكشف السوء .

والكشف : أصله رفع الغشاء ، فشبه السوء الذي يعتري المضرور بغشاء يحول دون المرء ودون الاهتداء إلى الخلاص تشبيه معقول بمحسوس .

وَرُمز إلى المشبه به بالكشف الذي هو من روادف الغشاء . وهو أيضاً مستعار للإزالة بقرينة تعديته إلى السوء . والمعنى : من يزيل السوء . وهذه مرتبة الضروري فإن معظمها أو جميعها حفظ من تطرق السوء إلى مهم أحوال الناس مثل الكليات وهي : حفظ الدين ، والنفس ، والعقل ، والنسب ، والمال ، والعرض .

والمعنى : إن الله يكشف السوء عن المسوء إذا دعاه أيضاً فحذف من الجملة المعطوفة لدلالة ما ذكر مع الجملة المعطوف عليها ، أي يكشف السوء عن المستاء إذا دعاه .

وظاهر التقييد بالظرف يقتضي ضمان الإجابة . والواقع أن الإجابة منوطة بإرادة الله تعالى بحسب ما يقتضيه حال الداعي وما يقتضيه معارضه من أصول أخرى ، والله أعلم بذلك .

وحالة الانتفاع : هي المشار إليها بقوله { ويجعلكم خلفاء الأرض } أي يجعلكم تعمرون الأرض وتجتنون منافعها ، فضمن الخلفاء معنى المالكين فأضيف إلى الأرض على تقدير : مالكين لها ، والملك يستلزم الانتفاع بما ينتفع به منها . وأفاد خلفاء بطريق الإلتزام معنى الوراثة لمن سبق ، فكل حي هو خلف عن سلفه . والأمة خلف عن أمة كانت قبلها جيلاً بعد جيل . وهذا كقوله تعالى حكاية لقول نوح { هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها } [ هود : 61 ] . وهذه مرتبة التحسيني .

وقد جمعت الآية الإشارة إلى مراتب المناسب وهو ما يجلب نفعاً أو يدفع ضرراً وهو من مسالك العلة في أصول الفقه .

ولما اقتضته الخلافة من تجدد الأبناء عقب الآباء والأجيال بعد الأجيال ، وما اقتضته الاستجابة وكشف السوء من كثرة الداعين والمستائين عبر في أفعال الجعل التي تعلقت بها بصيغة المضارع الدال على التجدد بخلاف أفعال الجعل الأربعة التي في الآية قبلها .

ثم استؤنف عقب هذا الاستدلال باستفهام إنكاري تكريراً لما تقدم عقب الأدلة السابقة زيادة في تعداد خطئهم بقوله { أإله مع الله قليلاً ما تذكرون } .

وانتصب { قليلاً } على الحال من ضمير الخطاب في قوله { ويجعلكم خلفاء الأرض } أي فعل ذلك لكم وأنتم في حال قلة تذكركم ، فتفيد الحال معنى التعجب من حالهم .

والتذكر : من الذُّكر بضم الذال وهو ضد النسيان فهو استحضار المعلوم ، أي قليلاً استحضاركم الافتقار إلى الله وما أنتم فيه من إنعامه فتهتدوا بأنه الحقيق بأن لا تشركوا معه غيره . فالمقصود من التذكر التذكر المفيد استدلالاً . و { ما } مصدرية والمصدر هو فاعل { قليلاً .

والقليل هنا مكنّى به عن المعدوم لأن التذكر المقصود معدوم منهم ، والكناية بالقليل عن المعدوم مستعملة في كلامهم . وهذه الكناية تلميح وتعريض ، أي إن كنتم تذكرون فإن تذكركم قليل .

وأصل { تذكرون } تتذكرون فأدغمت تاء التفعل في الذال لتقارب مخرجيهما تخفيفاً وهو إدغام سماعي .

وقرأ الجمهور { تذكرون } بتاء الخطاب . وقرأه روح عن أبي عمرو وهشام عن ابن عامر بياء الغيبة على الالتفات من الخطاب إلى الغيبة ، ففي قراءة الجمهور نكتة توجيه الخطاب إلى المشركين مكافحة لهم ، وفي قراءة روح وهشام نكتة الإعراض عنهم لأنهم استأهلوا الإعراض بعد تذكرهم .