التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{أَمَّن يُجِيبُ ٱلۡمُضۡطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكۡشِفُ ٱلسُّوٓءَ وَيَجۡعَلُكُمۡ خُلَفَآءَ ٱلۡأَرۡضِۗ أَءِلَٰهٞ مَّعَ ٱللَّهِۚ قَلِيلٗا مَّا تَذَكَّرُونَ} (62)

{ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ 59 أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاواتِ والْأَرْضَ وأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاء مَاء فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ 60 أَمَّن جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وجَعَلَ لَهَا رَواسِيَ وجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ 61 أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ ويَكْشِفُ السُّوءَ ويَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ 62 أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ والْبَحْرِ ومَن يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ 63 أَمَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ومَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء والْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ 64 } [ 59 64 ]

جاء هذا الفصل معقبا على سلسلة القصص جريا على الأسلوب القرآني الذي نبهنا إليه غير مرة ، فهو متصل بالسياق والحال هذه ، وعبارة الآيات واضحة لا تحتاج إلى أداء آخر .

وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم فيها بتقرير الحمد لله والسلام على الذين اصطفاهم عباده ، ثم بتوجيه أسئلة للكفار فيها تقريع وتحد واستنكار لكفرهم وجحودهم وشركهم مع ما يقوم من الدلائل الباهرة على وجود الله وشمول قدرته ووحدانية ومطلق تصرفه ووافر نعمه في الأرض والسماء والمطر والشجر والليل والنهار والجبال والبحار والأنهار والرياح والنجوم ، وتيسير الرزق للناس وكشف الضرّ عنهم ، واستخلافهم في الأرض الخ . وأسلوب الأسئلة استنكاري انطوى فيه كما هو المتبادر تقرير نفي أي احتمال بأن يكون مع الله عزّ وجل إله آخر . والفقرة الأخيرة بخاصة انطوت على تحدي الكفار وتبكيتهم من جهة ، وعلى تقرير نفي قدرتهم على إقامة البرهان على صواب شركهم من جهة أخرى .

تعليق على الآيات

التي جاءت بعد سلسلة القصص وتنويه بما فيها من روعة

والمتبادر أن المشار إليهم في الآية الأولى – أي عباد الله الذين اصطفاهم الأنبياء السابقون والذين آمنوا بهم ؛ تقفية على ذكر قصص بعضهم في الآيات التي قبلها وإنّ أمر النبي صلى الله عليه وسلم في الآية الأولى بتقرير الحمد لله ، إنما هو بسبب جعله هو والذين آمنوا به في زمرة الذين اصطفاهم الله ، وينطوي في هذا تطمين وتبشير للنبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين من جهة ، ودعم لما قلناه من أن الفصل قد جاء معقبا على السلسلة وأن هدفها الجوهري هو الموعظة والعبرة وضرب المثل ، وهكذا ترتبط آيات السورة منذ بدئها في سياق منسجم .

وأسلوب الآيات التقريعي يلهم أن سامعي القرآن من الكفار يعترفون بأن الله هو ربّ الأرباب وخالق الكون ومدبره ورازق الناس وملجأهم الأعظم . قد حكت آيات عديدة ذلك عنهم أوردناها في مناسبات سابقة ، وبذلك تستحكم الحجة والتقريع والتنديد بهم كما هو المتبادر ، والفصل من روائع الفصول القرآنية الشاملة في التنبيه على مشاهد عظمة الله تعالى وقدرته ووحدانيته بسبيل التدليل على أنه هو وحده المستحق للعبادة والاتجاه والدعاء . يبدو من خلاله صورة رائعة للنبي صلى الله عليه وسلم وهو يهتف بالكفار بهذه الهتافات والأسئلة ، أو بالأصحّ الصرخات القوية النافذة إلى الأعماق في التقريع والاستنكار والإفحام والتسفيه على إشراك غير الله مع الله وعدم التدبر في آيات الله الماثلة في كونه والتي لا يماري فيها إلاّ مكابر سفيه ، ثم وهو مستغرق في الدعوة إلى الله وحده معلنا الحرب على الشرك في أي مظهر من مظاهره وأي معنى من معانيه ظاهرا وباطنا ، قريبا وبعيدا ، وسيلة وأصلا .

وبمناسبة أمر الله تعالى بحمده الوارد في الآية الأولى نقول : إن هذا الأمر تكرر في القرآن والمتبادر أنه بسبيل تعلم النبي والمؤمنين حمدهم الله على نعمه المتنوعة التي لا تحصى عليهم وتذكيرهم بذلك . ولقد أثرت في ذلك أحاديث عديدة عن النبي صلى الله عليه وسلم منها ما ورد في كتب الصحاح وهذا واحد منها رواه الترمذي عن النبي صلى عليه وسلم قال : " أفضل الذكر لا إله إلاّ الله و أفضل الدعاء الحمد لله " {[1581]} .


[1581]:التاج ج 5 ص 82 وانظر هذا الجزء 78 وما بعدها ففيه صيغ دعاء وحمد عديدة مأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم.