فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{أَمَّن يُجِيبُ ٱلۡمُضۡطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكۡشِفُ ٱلسُّوٓءَ وَيَجۡعَلُكُمۡ خُلَفَآءَ ٱلۡأَرۡضِۗ أَءِلَٰهٞ مَّعَ ٱللَّهِۚ قَلِيلٗا مَّا تَذَكَّرُونَ} (62)

{ أَمَّن يُجِيبُ المضطر إِذَا دَعَاهُ } هذا استدلال منه سبحانه بحاجة الإنسان إليه على العموم ، والمضطر اسم مفعول من الاضطرار : وهو المكروب المجهود الذي لا حول له ولا قوة . وقيل هو المذنب ، وقيل هو الذي عراه ضرّ من فقر أو مرض ، فألجأه إلى التضرّع إلى الله . واللام في { المضطر } للجنس لا للاستغراق ، فقد لا يجاب دعاء بعض المضطرين لمانع يمنع من ذلك بسبب يحدثه العبد يحول بينه وبين إجابة دعائه ، وإلاّ فقد ضمن الله سبحانه إجابة دعاء المضطرّ إذا دعاه ، وأخبر بذلك عن نفسه ، والوجه في إجابة دعاء المضطرّ أن ذلك الاضطرار الحاصل له يتسبب عنه الإخلاص ، وقطع النظر عما سوى الله ، وقد أخبر الله سبحانه بأنه يجيب دعاء المخلصين له الدين ، وإن كانوا كافرين ، فقال : { حتى إِذَا كُنتُمْ فِي الفلك وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَاءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءهُمُ الموج مِن كُلّ مَكَانٍ وظنوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدين لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هذه لَنَكُونَنَّ مِنَ الشاكرين } [ يونس : 22 ] ، وقال : { فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى البر إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ } [ العنكبوت : 65 ] فأجابهم عند ضرورتهم ، وإخلاصهم مع علمه بأنهم سيعودون إلى شركهم { وَيَكْشِفُ السوء } أي الذي يسوء العبد من غير تعيين ، وقيل هو الضرّ ، وقيل هو الجور { وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الأرض } أي يخلف كل قرن منكم القرن الذي قبله بعد انقراضهم ، والمعنى : يهلك قرناً وينشىء آخرين ، وقيل يجعل أولادكم خلفاً منكم ، وقيل يجعل المسلمين خلفاً من الكفار ينزلون أرضهم ، وديارهم { أإله مَعَ الله } الذي يوليكم هذه النعم الجسام { قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ } أي تذكرا قليلاً ما تذكرون . قرأ الجمهور بالفوقية على الخطاب . وقرأ أبو عمرو وهشام ويعقوب بالتحتية على الخبر ردًّا على قوله : { بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } واختار هذه القراءة أبو حاتم .

/خ66